فى السابق كان من المحتم عليك أن كنت تريد أن تصبح شيئا ما أن تجتهد، أن تعمل، أن تنجح، أن تسهم بشىء فى ميراث البشرية، أن تفعل شيئا مستحيلا، أن تبتكر شيئا على غير مثال، أن تكسر العادة وتسخر من المألوف، أن تترقى فى سلم البشرية فتنال استحسانها، أو حتى تتدنى فى سلم البشرية فتنال لعناتها، أما الآن فيكفى أن تكون بيضة لتصبح محط إعجاب عشرات الملايين فى العالم أو أن تأكل صابونة فتصبح نجما بين يوم وليلة، أو حتى يتم تقديمك إلى الناس باعتبارك أقدم سجين فتصبح بطلا.
هذه هى النخبة الجديدة، هذه هى حياتنا الآن، نصحو من النوم على خبر أن صورة بيضة على موقع إنستجرام حصلت على أكبر عدد من الإجابات فى تاريخ الموقع، حتى دخلت البيضة موسوعة جينيس للأرقام القياسية، وفى يوم آخر نصحو على خبر أن امرأة تمص الصابون صارت حمى على إنستجرام بعد تداول الناس لتسجيلها المصور وهى تستمتع باستحلاب الصابونة، كما لو كانت تلحس الآيس كريم، وخذ من هذه التفاهات عشرات الأمثلة والحالات، أما من يريد أن يقول شيئا، أو يفعل شيئا، أو يبتكر شيئا، فليس له من الاهتمام نصيب.
نحن نهدم أنفسنا بأنفسنا، نعيش الآن تلك الحالة من السيولة العالمية تماما كما عاشت اليونان منذ آلاف السنين، حينما كان السوقة يتحكمون فى كل شيء، وكان الجميع أصحاب رأى، وكان جميع البشر منساقين نحو الإعجاب بأنفسهم والاقتناع بآرائهم فحسب، دون وجود حاكم أو معيار أو قيمة، نعيش الآن زمنا لا يفهم فيه الواحد الطريقة المثلى للترقى، ما الترقى أصلا إذا كانت البيضة هى المثال، وأكل الصابون هو التحدى الأعظم؟
هذه لوثة حقيقية، وأنا وأنت، إن كنت مقتنعا بما أقول، أصبحنا نمثل الشذوذ عن القاعدة، والقاعدة للأسف ليس لها مزاج واضح أو آلية محددة، المعجبون بالصابونة عن أنفسهم الذين يعجبون بالبيضة وهم أنفسهم الذين يعجبون بلاعب كرة متمكن أو ممثل شهير، لكن العبث كل العبث أن تصير البيضة هى المثل الأعلى، وأن تكون هى المؤشر الوحيد على النجومية لدرجة أن نجمة شهيرة دخلت فى تحد مع البيضة لتحصل على إجابات أكثر فزادت من كشف المستور من جسدها، لكن البيضة هزمتها أيضا، لنعلن نحن بكامل إرادتنا تنحى البشر عن قيادة الكون، رافعين شعار أننا فى «زمن البيض».