مرة أخرى يضرب التطرف أوروبا ويتسبب فى قتل 35 وجرح 200 شخص برىء. رغم اهتمام بلجيكا بتعليم الدين الإسلامى لمسلمى بلجيكا وتمويل أئمة المساجد إلا أنها لم تستثن من الاعتداء الإرهابى عليها وتعلن داعش عن مسئوليتها عن هذه الهجمات الإرهابية! ويرى العالم الآن أن بلجيكا أصبحت محطة مهمة ينطلق منها الإرهاب إلى الدول الأوروبية.
وفى هذا السياق يخرج رئيس وزراء فرنسا، مانويل فالس فى اليوم التالى لتفجيرات بلجيكا ليدلى بتصريحات لقناة أوروبا "1" تتعلق بالراديكاية والسلفية والإرهاب والديمقراطية. استنكر مانويل فالس فى تصريحاته "أيديولوجية الإسلام الراديكالية التى تنتشر فى السجون ودور العبادة". وأكد أيضًا قائلاً: "لقد غضضنا الطرف فى كل أوروبا، وكذلك فى فرنسا، عن نمو الأفكار المتطرفة، والسلفية، فى بعض الأحياء، والتى أفسدت جزءًا من الشباب، عبر هذا الخليط من تجارة المخدرات والإسلام الراديكالى"
فى الحقيقة، فإن تصريحات مانويل فالس، التى اتسمت بالصراحة والشجاعة، من شأنها أن تثير قلق الكثير من الدول الإسلامية والغربية. لأن غض الطرف عن نمو التطرف يؤكد العلم بالشيء وتركه عن عمد. وهنا يحضرنى سؤال مهم: لماذا غضت أوروبا الطرف عن نمو الأفكار المتطرفة فى الأحياء والسجون؟ ولماذا غضت أوروبا الطرف عن إفساد الشباب عبر المخدرات وأيديولوجية الإسلام الراديكالية؟
ألم يسمح غض الطرف عن التطرف إلى هجرة العديد من المتطرفين إلى بعض الدول الإسلامية وإفساد بعض الشباب المسلم ونشر الفكر التكفيرى فى هذه الدول باسم الإسلام؟
هل ساهمت أوروبا بدون قصد فى خلق هذا الوضع المعقد؟ ولماذا تطالب المسلمين بتحمل "المسؤولية الثقيلة إزاء توضيح مدى توافق الإسلام مع الديمقراطية؟" وفقًا لتصريحات مانويل فالس.
وإن كان توضيح مدى توافق الإسلام مع الديمقراطية سوف يسهم فى حل المشكلة، فلماذا لا تدعو فرنسا علماء المسلمين من علماء الأزهر وآخرين ممن أكدوا أن جوهر الديمقراطية لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية ومبدأ الشورى الذى يمثل قاعدة رئيسية فى نظم الحكم عبر العصور. بالإضافة إلى المؤلفات الكثيرة لعلماء الإسلام التى عرضت هذا الموضوع باستفاضة، كما نشر مرصد الأزهر الشريف مقالاً مبسطًا يعرض موقف الإسلام من الديمقراطية جاء فيه:
"وعند النظر إلى المفهوم الغربى للديمقراطية نجد أن فيه شقين، أحدهما: يتفق مع روح الشريعة الإسلامية، والآخر يتعارض معها.
أما الشق الأول الذى يتفق مع الشريعة الإسلامية: فهو وصول الأغلبية والأكثرية للحكم عن طريق صناديق الاقتراع، وهو ما يسمى بالتصويت الانتخابي، فالإسلام لم يضع نظاما معينا للحكم، بدليل اختلاف الطريقة التى تم بها اختيار الخلفاء الراشدين، ولكن الإسلام وضع أسسا ودعائم يقوم عليها الحكم، وهى تحقيق العدالة والشورى، فالحكم فى الإسلام مبنى على الشورى لقوله تعالى: "وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ" [آل عمران: 159]، وقوله: "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" [الشورى: 38].
أما الشق الثانى الذى يتعارض مع الشريعة الإسلامية: فهو سن القوانين والتشريعات حسب ما ترتضيه الأغلبية حتى ولو كانت مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، فإن كان رأى الأغلبية لا يخالف الثوابت الدينية فلا مانع من إقرار القانون، وإن خالفه فيحرم إقراره، فمن المقرر فى أصول شريعتنا أنه "لا اجتهاد مع النص".
ويطبق هذا المفهوم فى الدول ذات الأغلبية المسلمة. أما الدول الغربية فلا يجوز للمواطن المسلم أن يفرض مفاهيم دينه على الأغلبية، بل عليه الحفاظ على ثوابت دينه واحترام قانون الدولة التى يقيم فيها أو يحمل جنسيتها، وكذلك احترام عاداتهم وتقاليدهم وإن لم تتفق مع تعاليم دينه وأخلاقياته، وعدم فرض معتقداته على الآخر فى الوقت الذى يجب فيه على هذه الدول ألا تضيق على المسلمين فى ممارسة شعائر دينهم وأن تحترم عقائدهم ومظاهر دينهم.
مع كامل تقديرى لرؤية مانويل فالس إلا أنه يبدو لى أن المشكلة لا تتعلق بمفهوم الديمقراطية بل باستغلال شباب المسلمين من قبل تنظيمات تريد تغيير هوية وخريطة العالم الإسلامى من خلال تشويه الإسلام وتجنيد شباب المسلمين، وأن ما يحدث الآن من تفجيرات باسم الإسلام هو جزء من آليات تنفيذ مخطط تنظيمات تطمع فى ثروات العالم الإسلامى وتنمية العداء والكراهية بين الشرق والغرب.
وقد نجحت هذه التنظيمات فى تحقيق بعض أهدافها من دفع شعوب العالم إلى السقوط فى فخ الإرهاب والكراهية وتبادل الاتهامات بين أتباع المعتقدات المختلفة، وإشعال الحروب بين أبناء الوطن الواحد ولدينا نماذج حية مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان.
إن العالم يشتعل كل يوم، ومازلنا نفكر بطريقة نمطية. إن انتظار الضربات الإرهابية ومحاولة توقيف المنفذين ليس كافيًا لحل قضية التطرف والإرهاب، بل يتعين على العالم أن يتعاون ويتضامن ويكشف عن المخطط الرئيس لمثل هذه العمليات، وداعم الحركات الإرهابية فى جميع أنحاء العالم. يجب الكشف عن المستفيد الحقيقى من هذه التفجيرات والتصدى له. ولا يجب محاكمة الأديان بل مستغلى أتباع الأديان سواء كانوا فى شكل تنظيمات أو دول!
•المشرف العام على مرصد الأزهر.