هل يختلف لدى المواطن المصرى البسيط فى الشارع أن يعرف أن هذا المبنى الموجود أمامه اسمه «الهيئة العامة لقصور الثقافة» أو أن اسمه «الهيئة العامة للثقافة الجماهيرية»، وهل سيتوقف طويلا أمام الفارق بين كلمتى «قصور» و«الجماهيرية» وأن الأولى تعبر عن النخبوية بينما الثانية تعبر عن عامة الشعب، أعتقد أن هذا الأمر لا يختلف معه فى شىء، فالمهم هو ما يقدمه هذا المبنى، ومع ذلك نجد أن مسؤولى هذه المؤسسة لا يفوتون مناسبة إلا ويتحدثون عن دلالة المعنى وأثر هذا العنوان على المواطن البسيط، وكيف استطاعوا أن يصلوا إليه بهذه الطريقة ويحققوا أهدافه الثقافية لدرجة أنه أصبح شريكا لهم فى وضع خطة وزارة الثقافة.
على المسؤولين أن يعرفوا جيدا أن هيئة قصور الثقافة تحتاج إلى أكثر من فكرة العودة إلى عنوان قديم، لأن القديم لا يعود بزخمه ولا بتاريخه ولا بتراثه وبالطبع ولا بأثره، وفى ظل التطور المعرفى الذى أصاب العالم كله، فالطرق القديمة فى تناول الأشياء لم تعد مجدية، وصار لزاما وجود خطة واضحة لإصلاح تاريخ من التراكم غير الجيد لهذه المؤسسة، التى بإمكانها أن تصنع أجيالا حقيقية من صانعى المعرفة ومحدثى الفارق فى مستقبل هذا الوطن.
بالطبع «قصور الثقافة» لديها مشكلات لا أول لها ولا آخر، ربما أكثرها شراسة هو العدد المهول للعاملين بهذه الهيئة الاستهلاكية الطابع، وللأسف فإن هذه الأعداد المتزايدة تحتاج إلى إعادة هيكلة حتى يمكن الاستفادة منها والهيكلة تحتاج إلى استراتيجية حتى يمكن تنفيذها والاستراتيجية تحتاج إلى وعى بدور الثقافة أصلا فى صناعة الفارق داخل المجتمعات.
أذكر ذات مرة كنت وأصدقاء نناقش أحد رؤساء الهيئة السابقين فى شأن أحد قصور الثقافة الذى تم الاستيلاء عليهم من قبل إحدى الجمعيات الأهلية، فقال لنا «تحدثوننى عن مبنى ضائع، أنا يمكن أن أحدثكم عن مبانٍ غير موجودة أصلا سوى فى الأوراق الرسمية فقط، وموظفوها يتقاضون رواتبهم أول كل شهر».
نعم قصور الثقافة فى مصر مهمة جدا، ربما أبناء الأقاليم يعرفون قيمتها ودورها ويدركون جيدا أن مشكلاتها مركبة، وليس هناك طرف واحد مسؤول عن إخفاقاتها، لكن ليس اسمها من ضمن هذه الأطراف وليس هو من جلب عليها هذا حظها غير الطيب ولا تغييره سيحل مشكلاتها، لكن سوء إدارتها وعدم إيمان بعض مسؤوليها بأهمية الثقافة، وكذلك الميزانية المتدنية لوزارة الثقافة فى مصر وأسباب أخرى كثيرة جعلتها لا تقوم بالدور المتوقع منها.