قد لا يحتار المرء كثيرا إذا ما أراد التحدث عن التحديات فى أفريقيا وفى كل دول العالم النامية، خاصة الأقل نموا. فالصعوبات عديدة كلها، والمطلوب أيضا كثير ويلزمه وافر من الوقت والجهد والعمل والتعاون مع أطراف عديدة يمكنها أن تتقاسم عبء توفير متطلبات مواجهة تلك التحديات.
ومن أهم تلك التحديات السلام والأمن والصحة والتعليم وبناء القدرات وبناء البنية التحتية والتحول الهيكيلى من اقتصاد يعتمد على الزراعة والمنتجات الزراعية والمواد الأولية كمصدر للدخل القومى إلى اقتصاد يعتمد على التصنيع والخدمات، ويمكنه أن يوفر دخلا قوميا جيدا ومستداما، كما يمكنه تطوير نفسه والتأقلم مع مستجدات الغد وتوفير فرص عمل مناسبة للأيدى العاملة فى الدولة، والتحدى الأكبر أمام أفريقيا بالطبع هو الوصول إلى التنمية المستدامة.
وتشهد بعض الدول الأفريقية تقدما ملحوظا - مقارنة بدول أخرى من دول القارة – ولكن يظل بعض دولها فى حاجة ماسة إلى كثير من العمل، لكى تضع هذه الدول قدمها على أول الطريق نحو حياة أفضل فى هذه الدنيا، ونحو دور أكبر فى إطار المجتمع الدولى، وقد تقدم البعض حين انتبه إلى حتمية التوقف تدريجيا عن الاعتماد على الغير وعلى تلقى المساعدات فى كل قطاع من قطاعات الدولة، واللجوء إلى موارد الدولة ومقدراتها والاعتماد على تلك الموارد شيئا فشيئا، لتخف ديون الدولة، وتزداد ثقتها فى قدراتها وفى أبنائها وتتحول خلال فترة ما من دولة متلقية للمساعدات الى شريك تجارى. فالكل يدرك أن المقدمين للمساعدات قد تعبوا وسئموا العطاء المفتوح، كما سئم المتلقون العطاء المشروط ولربما سئموا السؤال أيضا.
ومن هنا يأتى دور الحكومات فى تجميع كل قوى الداخل والائتلاف معها وتجنب الاقصاء - على أساس حزبى أو قبلى أو غيره - واعتماد الكفاءة أساسا للاختيار سياسيا وإداريا، وذلك لأن الوطن واحد ولأن الوطن للجميع ونماؤه مسئولية الجميع من أبنائه دون تفرقة، فتواجد جميع قوى الداخل معا قد يجعل البناء فى الأوطان أسهل وأسرع، وقد يكون لكل تيار سياسى فى البد الواحد توجهه الخاص وفكره الخاص فيما يتعلق ببناء الدولة ونموها وتحقيق الرخاء والأمن والسلام فيها وتعظيم دورها وأسهامها، ولكن الحميع فى النهاية يبحث عن رخاء الوطن وسموه ورفعته ورقى شعبه.
إن الداخل فى كل وطن قد يدخر من القوة ومن المصادر الكثير مما قد يعوز الدول ويلزمها للنمو وللتقدم ويعزز من قدرها، ولكن يظل التحدى أمام القيادات السياسية فى اجتذاب قوى الداخل وقدراته لتشارك فى البناء وفى التنمية، ليأتى الوطن فى المقدمة وتتراجع الأنانية الضيقة إلى المرتبة الثانية أو الثالثة، ففى النهاية يكون المجتمع الناجح ناجحا لجميع أبنائه ويكون آمنا للجميع ويكون رخاء للجميع، ولا يحق لأحد أن ينمو فى المجتمع وبين جدرانه دون أن يسهم فى نمو المجتمع وفى سداد التزامات هذا المجتمع وتحمل تبعات بنائه، كما لا يمكن للمجتمع أن يترك المحرومين والمهمشين ماديا دون مساعدة ودون تدخل لصالخهم، لكى يستسطيعوا أن يقفوا على أرجلهم وأن يتحركوا مع ركاب الشعب ويكونوا جزءا من حراكه ومن بنائه ومن إنجازاته ومن فرحه مثلما يتحملون معه آلامه، ومن هنا كانت أهمية ما يعرف بالشمول المالى الذى يوفر المنفذ إلى التمويل المالى لمن أراده وسعى إليه وإن كان محدود الموارد.
فى سعى الدولة إلى تضمين قوى الداخل فى مسيرتها إلى النماء والرخاء والاشتراك فى تحمل مسئولية بناء الوطن، لا ترقض الدولة وراء الأغنياء فقط، ولكنها تخاطب الجميع وتسعى إلى استمالتهم ليتركوا المسارات الموازية إلى مسار واحد للوطن إلى الأمام، فلا يعقل أن يشتغل الوطن والدولة والجميع بالعمل والتدبير والسعى والبناء للجميع، بيما البعض يشتغل بالبناء لنفسه فى مسارات موازية بما يضر مسيرة الدولة والوطن ويعوق تقدم بلده، فالوطن للجميع ولا يخص جماعة ولا فئة، وعلى الجميع التنازل عن بعض من أنانيتهم من أجل صالح الجميع وأمنه ورخائه، ومن هنا كانت أهمية الشمول الاقتصادى وأهمية اعماله بدقة وبشفافية.. حفظ الله مصر ووفق رئيسها إلى الخير.