قصة عطل موقع «فيس بوك» الأخير لها علامات ودلالات بعضها جاد والبعض فكاهى، فقد أثبتت الأزمة حجم ارتباط مليارات البشر فى العالم بمواقع التواصل عموما، و«فيس بوك» على وجه الخصوص التى أصبحت واقعا وجزءا من حياة البشر عبر العالم، ارتبط به مئات الملايين بشكل يصعب عليهم الاستغناء عنه.
من المفارقات أن مسؤولى فيس بوك لجأوا إلى تويتر لمخاطبة مستخدميهم وإبلاغهم بالعطل، وأنهم يسعون لمعالجته، أما الجانب الفكاهى فهو هذه الرسائل التى انهالت على الإنبوكسات الخاصة فى مصر وتحمل رسالة باسم مارك زوكربيرج يقول فيها لكل مستخدم «مرحبا، أنا مارك زوكربيرج مدير فيس بوك، يبدو أن استخدام الموقع سيكلف أموالا، وعليك إرسال هذه الرسالة لكل الأصدقاء ليكون مجانا».
واضح أن الرسالة واحدة من اختراعات بعض الهازلين الافتراضيين وهى رسائل تنتشر كل فترة، وبالرغم من أنها رسائل فكاهية إلا أن هناك عددا من المستخدمين يصدق ويرسلها لعشرات من أصدقائه، ولم تتوقف رسائل الهزل علينا كما يتصور البعض، فقد تلقى مستخدمو فيس بوك خلال العطل آلاف الرسائل تدّعى تقديم حل لإعادة تشغيل الموقع.
وهذه الرسالة وغيرها مثال لوجود عدد كبير من المستخدمين مستعدين لتصديق أى كلام وأى شائعة والتفاعل معها وإعادة نشرها، تماما مثل بوستات تنتشر كل فترة «أنا فلان الفلانى لم أعط فيس بوك أى حق فى استعمال بياناتى الشخصية، مع دعوة بإعادة نشر البوست، ويستجيب له عدد كبير من المستخدمين ينخرطون فى تصديق هذه البوستات، ويعيدون نشرها، مع أنهم فى الواقع يمنحون «فيس بوك» وغيره الحق فى رؤية صورهم وبوستاتهم ولحظاتهم وطعامهم وتحركاتهم، وهى مواد تتاح لأصدقائهم وأصدقاء أصدقائهم».
هناك أيضا ظواهر المستخدمين الذين يطلبون من أصدقائهم التعليق أو اللايك أو ملصقات لتنشيط الصفحة وإنقاذها من الإغماء الافتراضى، وهى حيلة تتكرر كثيرا، ويرى البعض أنها حيلة لزيادة الدخول والنشاط على الموقع، وتتم بناء على حسابات ترى أن أى خطوة يشارك فيها نسبة ولو واحد فى الألف من المستخدمين تمثل عدة ملايين، مثل تطبيقات «من تشبه من النجوم أو تحدى العشرين عاما، وتحدى الخمستلاف متابع»، وهى ألعاب مسلية وتضاعف من النشاط على الموقع.
وسواء كانت لعبة فكاهية، أو حيلة من المواقع، فإنها تراهن على وجود بعض المستخدمين جاهزين لتصديق أى كلام، ونموذج علنى على أن الحقيقة تتجاور مع الشائعة، والجادون بجوار التافهين والهازلين والخبراء مع المدعين.
أما الخصوصية فهى تتعلق بما يقدمه الواحد مختارا، ولا يعنى هذا أن فيس بوك لا ينقل البيانات ويبيعها أحيانا، وما زالت قضية تسريب بيانات المستخدمين لشركة «كامبردج أناليتكا» تطارد «فيس بوك»، حيث باعت الشركة معلومات ملايين لحملة ترامب.
يضاف إلى ذلك تحقيقات يجريها محققون فيدراليون بشأن إبرام موقع «فيس بوك» صفقات مع «أبل» و«أمازون» و«مايكروسوفت»، تتيح لهم أن يصلوا إلى بيانات المستخدمين دون إذنهم، وحسب «بزنس إنسايدر»، فإن الصفقات تسمح بإعطاء بيانات المستخدمين، وتسهيل مشاركة المحتوى وإدماج «فيس بوك» مع الأجهزة ومواقع الويب، دون الحصول على إذن المستخدمين، وحسب «نيويورك تايمز»، طلبت هيئة محلفين معلومات بشأن الصفقات من التى وصفتها وسائل إعلام أمريكية بـ«الفضيحة الرقمية».
القصة كلها بجدها وهزلها، كاشفة عن قرية صغيرة، تضم فى شوارعها، بجانب اللايك، الطيب والشرير والفكاهى والجاد والنصاب، وعلى المقيمين فيها مراعاة فروق «الشير».