أول ما يلفت النظر اليوم فى أى حادث أو واقعة هو انطلاق كميات هائلة من المحللين والخبراء فى كل الشئون، لا فرق هنا بين قضية سياسية أو سياحية. خطف طائرات أو إرهاب دولى، المهم أن يقولوا ويدلوا بدلوهم ويظهرون فى صورة العالمين ببواطن من الطائرات للإرهاب، ومن الخطط إلى المخططات، نفس الطريقة والأشخاص يخرجون من جحور التحليل الغامقة إلى شواشى العمق.
ولم يكن اختطاف الطائرة المصرية أمس، أحد أول الأمثلة، وإن كان أظهر حالة الاستسهال التحليلى لدى خبراء كل شىء، الجاهزون دائما لإطلاق التفسيرات المرئية لكل ما يجرى فى الكون، وهم فى أماكنهم ولا تنتابهم أى ذرات شك فيما يتناولونه من معلومات، وما يتعاطونه من خزعبلات وأحكام نهائية يعجز الخبراء المتخصصون عن امتلاكها.
خلال أقل من نصف دقيقة على إعلان اختطاف الطائرة المصرية المتجهة من برج العرب إلى القاهرة اندلع السادة المحللون، فى حالة تحليل على الذات، ليتحدثوا عن معلومات بأن الخاطف نفذ ومر بالمتفجرات، وبالتالى هناك خلل يؤيد وجهة نظهرهم كخبراء فى ضعف الإجراءات وتهافت الثغرات وتوازى المربعات. هؤلاء ممن اعتادوا الهجوم المنسق والشعور بالدونية العدائية، فى المقابل خرج خبراء التبرير الاستسهالى ليعلنوا عن مؤامرة مترامية الأبعاد طويلة التيلة من أجل الانغماس الإرهابى.
لا هؤلاء ولا أولئك.. انتظروا ليسمعوا أى معلومة، بل رأينا فتاة محللة فى محطة بريطانية تكاد تقسم أن الخاطف مر بالمتفجرات، وانطلقت تكور التحاليل حول الثغرات، لكن الخبير الأجنبى فى شئون الطائرات والأمن قال لها: علينا أن ننتظر قليلا لنعرف وبخبرتى لا يظهر أن فى الأمر متفجرات، لكنه تمويه واضح. ولم «ترعو» الخبيرة الغاضبة من سطحيتها، ومضت تكيل الاتهامات والانتقادات الجافة، أحد خبراء العمق الاستعماقى بعد أن قدم عروضا بكل أنواع التحاليل، عن نجاح الخطف ومرور المتفجرات وثغرات المطارات، وبعد أن تكتشف أن كل ما قاله خالٍ من أى صحة، لم يعتذر وألقى المسؤولية على السلطات التى لم يقدم لسيادته ما يؤيد وجهة نظره الخبراتية الطائرة. تماما مثل خبراء الادعاءات المؤامراتية الجافة كل ما يجرى يكشف عن خلل «عقلى» لدى قطعان المدعين. والأمر ليس فى التبرير أو الإدانة، لكنه فقط يحتاج بعض المنطق والعقل وانتظار المعلومات، وبعد ذلك يمكن التحليل أو الانتقاد أو حتى السب والقذف.
من مراقبة المحللين والخبراء فى الشاشات وأدوات التواصل يمكننا التعرف على طريقة واحدة تحكم مدى قدرتنا على الحكم والمعرفة. هناك دائما شعرة بين من ينتقدون الخطأ، ومن يمارسون العداء، ومن يريدون تبريرات وخلاص بين من يحللون للفهم. إنه صراع التحاليل بين من لا يعرفون ومن لا يدركون. واللى ما يشترى يتفرج.