حضرت، مؤخرا، دائرة مستديرة مهمة نظمتها لجنة الدراسات الأدبية واللغوية بالمجلس الأعلى للثقافة بعنوان «الإسهامات العربية فى النظرية النقدية المعاصرة» وشارك فيها عدد من النقاد الكبار، منهم الدكتور جابر عصفور والدكتور محمود الربيعى والدكتور محمد حمدى إبراهيم والدكتور علاء عبد الهادى، وأدار الملتقى الدكتور أحمد درويش، وقد استوقفنى كلام الدكتور الربيعى ودفعنى للتفكير.
قال الدكتور محمود الربيعى، إن النقد الأدبى فرع معرفى خطير لأنه يتعامل مع الأدب وهو بدوره فرع معرفى خطير لأنه يتعامل مع الحياة، وبالتالى فإن النقد الأدبى يتطلب عقلية نقدية، وسمات هذه العقلية أنها لا تقبل كل شىء على إطلاقه ولا ترفض كل شىء على إطلاقه، ولا تعتمد الأحكام المسبقة، كما أنها تسأل أكثر مما تحاول البحث عن إجابات، وسمات أخرى كثيرة ذكرها الربيعى لكنه اشترط عليها شرطا ضروريا هو أن تتحلى بالثقافة النوعية.
وقال الدكتور الربيعى كلاما مهما عن واقع النقد الأدبى، موضحا أنه نشاط موجود بالفعل وبشكل كبير، بعضه يقع داخل الجامعات وبعضه فى وسائل الإعلام، والآن نجده على الصفحات التكنولوجية فى مواقع التواصل الاجتماعى، مشيرا إلى أن الموقف النقدى فى الجامعات قلق جدا، لأنه يتحصن بجملة من المعارف بعضها مفيد وبعضها غير مفيد، وبالتالى فإن النقد الأكاديمى يفتقد إلى أبسط قواعد الحرية، كما يغيب عنه الخيال والابتكار، أما النقد فى الإعلام، ما زال يحتفظ ببعض الحيوية، لكنه فقد كثيرا منها على مدى السنين بعدما شارك أساتذة الجامعة فيه، بسبب ظهور المحاباة تحت شعار تحفيز الشباب، حتى أنه وصل إلى درجة من «الهراء» والإفراط فى المجاملة وأصبح تضليلا للشباب، كما أنه أصيب بالانحياز للإيديولوجيات بشكل ضار جدا.
وعن رؤيته للمستقبل قال الدكتور الربيعى: يجب عودة المدرسة إلى التعليم، وهى قضية مهمة، وعليها أن تقدم المعارف لا المعلومات، وأن تعود اللغة العربية سائدة على أرضها؟
هذه الأفكار المهمة التى طرحها الدكتور محمود الربيعى، تحتاج إلى مناقشات تليق بها، لأنها تطرح سؤالا جوهريا يتعلق بطريقتنا فى التفكير، وتفتح الباب للبحث فى آليات تشكيل عقلية نقدية مسلحة بالمعرفة المتنوعة، شريطة أن تقف على مسافة من كل شىء، حتى تكون قادرة على الحكم الصحيح، والمقصود بالحكم هنا ليس «الصواب والخطأ» لكنه الرؤية والمناقشة.
وعليه يمكن القول إن المجتمعات العربية جميعا بكل تخصصاتها وليس النقد الأدبى فقط بحاجة إلى تبنى العقلية النقدية.