الخطة أكبر وأذكى مما نظن.. هم يدركون جيدا ماذا يفعلون بنا بينما نحن لا نعلم ماذا نفعل فى الأصل.. أتذكر أثناء عزو الأمريكان للعراق وكلنا متراصون أمام الشاشات ننصت بانتباه لمؤتمرات سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقى فى ذلك الوقت، وهو يصف هزائم العلوج الأوغاد وخسائرهم الفادحة أمام الجيش العراقى الجبار.. كان الصحاف يخرج علينا كل ساعتين أو ثلاثة ليتفاخر أمام العالم وحوله المترجمون والصحفيون من كل أرجاء الدنيا، ويحكى كيف تتساقط طائرات الأباتشى الأمريكية كالذباب وتتحطم مدرعاتهم ودباباتهم تحت أقدام جنود العراق الأغوار.. كنا نهتف فى البيوت وفى المقاهى بسعادة غامرة ونشوة مفرطة حتى أفقنا على سقوط بغداد وتحطيم تماثيل صدام حسين وانهيار واحد من أقوى الجيوش العربية وضياع العراق التى مازلنا نبكى على أطلالها حتى الآن.. كانوا يلعبون بعقولنا ويغسلوها بالإعلام الممنهج حتى تبدوا كل الأشياء مبهمة ومغلوطة ومازالت كذلك.. لم نفهم وقتها لماذا اقتحموا العراق ودمروها وما علاقة العراق بأحداث 11 سبتمبر، وكيف صدقنا وصدق العالم أن أسامة بن لادن بشبشبه وعصاه الخشبية قادر على تحريك طائرات وتفجير أبراج بهذا الشكل السينمائى المبهر.. وقتها خرجت العديد من الأصوات العالمية والأمريكية التى تستنكر قدرة هذا الرجل بتنظيمه البدائى على تنفيذ هذه العملية الأرهابية، وشككوا فيها على عكسنا تماما آمنا وأطعنا واستنكرنا ورفضنا والصقنا بأنفسنا التهمة ومن وقتها أصبح العرب المسلمون إرهابيين.. واستمرت الخدعة وانتشرت الفكرة وكتبت فى نفس هذا المكان من خمسة أعوام عدة مقالات بعنوان «هل يحارب الغرب الإسلام أم داعش»، قلت فيها إنهم صنعوا ألف وجه للإرهاب باسم الدين الإسلامى ومولوا عشرات التيارات المتطرفة ليحاربوها فى نفس الوقت، مثل طالبان فى أفغانستان والقاعدة فى الجزيرة العربية والجماعة الإسلامية المقاتلة فى ليبيا وجماعة دولة العراق الإسلامية وحركة أحرار الشام الإسلامية «حاشا»، والحركة الجهادية فى الجزائر وحماس فى فلسطين والجهاديين فى سيناء،وتنظيم الإخوان الإرهابى فى مصر وداعش فى العراق وسوريا، كل هذه الوجوه النكراء الكئيبة شوهت الإسلام ووصمته بدين الدم والإرهاب أمام العالم كله وبررت للضمير العالمى فكرة القضاء على الإسلام وإبادة المسلمين. وأتصور أن هول المشكلة وضخامتها يمنعنا من الاعتراف بها أو التفكير فيها، فلقد استغرقنا عشرات الأعوام ونحن نتجادل، هل نواجه مؤامرة؟ لنكتشف أننا على المقصلة، وأن العالم لا يشعر حتى بتأنيب الضمير وهو يقضى علينا، فلقد أصبحنا «بعبع» الحضارة ومصاصى دمائها، ويكفى أن تكتب كلمة «الإسلام» بأى لغة أجنبية على محركات البحث الإلكترونية واقرأ وشاهد الصور!. فما بالك لو كتبت داعش أو القاعدة أو التيارات الجهادية، وتداولت وسائل الإعلام والسوشيل ميديا مجموعة هائلة من الأفلام الدموية التى تصور الإسلاميين من داعش وغيرها وهى تعذب ضحاياها وتمثل بأجسادهم وتحرقهم وتذبحهم، وكنت على يقين من أن كل هذه الأفلام ممولة ومجهزة بتلك الحرفية الملحوظة لقلب العالم علينا وصنع هذه الكراهية بيننا وبينهم، الأعجب أن الإعلام العربى كان له السبق فى نشر هذه الفيديوهات وترويجها وترويع الخلق بها، فمشكلة الإعلام العربى ليست دائما فى فساده بل على أقل تقدير فى غبائه، فلقد كنا الأكثر ترويجا لقصص الإرهاب وجماعات الدم الإسلامية حتى فى حواراتنا الشخصية وتعليقاتنا فى مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعى رغم أن معظمنا كان يدرك وجود جانب تمثيلى وسينمائى كبير فى أفلامهم، وقصصهم وقدراتهم الدموية أو أنهم مجرد عملاء تم تجنيدهم وزرعهم لفترات طويلة ليكونوا مبررا أمام العالم للفتك بنا، سواء كانوا هذا أو ذاك أو كلاهما فإن اعترافنا اللحوح بهم والتنديد بأفعالهم ولو بهدف التطهر، جعل العالم يصدق هذه الأكاذيب والخدع ويمنح حكامه وحكوماته الحق فى استخدام أموال دافعى الضرائب لإبادتنا والقضاء على أفكارنا وديننا وكأننا فصيلة منبوذة، لذلك لم يكن غريبا أن يجتمع العالم لاستخدام كل أسلحته فى سوريا أو ليبيا وأن يموت الآلاف من الرجال والنساء والأطفال ولا يرثيهم أحد، ولم يكن من العجيب أن نشعر بهذا البرود الدولى تجاه الأعمال الإرهابية التى يواجهها العرب وآخرها مذبحة نيوزيلاندا.. المدهش من وجهة نظرى المتواضعة أننا مازلنا نتجاهل هذه المؤامرة وننكر عملية الإبادة التى نتعرض لها، لنظل ننظر فى هدوء لكل ما يجرى لنا نظرة العاجز الذى ينتظر دوره تحت المقصلة.