الورد جميل، لكن أجمل منه أن يأمر الوزراء مديرى مكاتبهم بعدم شرائه من ميزانية الوزارة، ومن أراد فليدفع من جيبه، والمثل يقول«الغاوى ينقط بطاقيته»، أو أن يكتفى بوردة واحدة، لأن البلد فى أزمة، ورئيس الجمهورية يطلب منا أن نصبح على مصر بجنيه.
أعرف مديرى مكاتب ومديرات يتفننون فى الإسراف والنفاق، ويتعاقدون مع محلات الزهور الفاخرة المنتشرة فى الأحياء الراقية ويملأون بها المكاتب، وكأن بعض وزرائنا تحولوا إلى شعراء.. صباحك ورد يا فندم.. صحيح إن الورود شفافة ورقيقة وبراقة، أنفاسها حلوة ولشكلها معنى ولعطرها سحر، ولها منافع خاصة، فمنها الدواء والشراب والغذاء، ولكن نحن فى زمن الخبز قبل الورد، والتقشف والتوفير والتدبير، ويا ريت تيجى على الورد.
«يا فندم موبيليا المكتب لا تليق بمكانة معاليك»، وكانت وش نحس على الوزير اللى قبلك، لازم نبدل العتبة، ونغير الموبيليا مع شوية ديكورات، انسف مكتبك القديم، ومش مهم مئات الآلاف من الجنيهات من ميزانية الغلابة.
بعد ذلك يأتى بند السيارات، وأتمنى أن تخصص لكل وزير سيارة واحدة وأخرى احتياطية، فقد كنت أسمع فى عهود سابقة عن تخصيص سيارات للمدام، وأخرى لأخت المدام، وثالثة لحماته، ورابعة للأولاد، وسيارة لإحضار الخضار من السوق، وبالطبع البنزين المدعوم من جيب الحكومة، التى تطلب من الشعب ترشيد الإنفاق والتقشف، وتترك الحبل لوزرائها، وأستغرب من مواكب الوزراء المستفزة، والسرينة وأطقم الحراسات، رغم أن نصف الوزراء إذا ساروا على الأقدام فى الشوارع، لن يعرفهم الناس.
أتمنى أن تختفى من بنود الإنفاق السرية للوزارات مخصصات الطعام، ومن أراد فليكتفى بسندوتشين فول وطعمية، ويحظر حظرا باتا دخول الكباب والجمبرى والأسماك، وغيرها من الأطعمة الفاخرة، التى يفسد طعمها من عيون المحرومين ولعاب المشتاقين والسعاة والفراشين، تكفى « تصبيره» إلى أن يعود معالى الوزير ومن معه لمنزله، ويستمتع بالطعام الذى أعدته له المدام، وبلاش المؤتمرات والعزومات فى فنادق الخمس نجوم، ويا ريت كمان يتم الامتناع عن إرسال الهدايا الموسمية، مثل ياميش رمضان، وحلاوة المولد، وخروف العيد، وهدايا رأس السنة، فالحكومة الرشيدة هى التى تبادر وترشد الإنفاق، وتكون قدوة ونموذجا يحتذى به، وهى أول من يشد الحزام، وآخر من يفكه، عندما تجىء البحبوحة ويطل الرخاء .
الرابضون فى مكاتب الوزراء من المديرين والسكرتارية والعلاقات العامة، هم الخطر الأكبر على أى وزير، وبيت الداء، خصوصا إذا لعبوا دور «الواد محروس بتاع الوزير»، وتمكنوا وتغلغلوا وتسربوا وسيطروا، ولكم فى عشرات القصص والحكايات السابقة عبرة وعظة.
ولا أريد أن أذكر أسماء لوزراء، التفت حول رقابهم تلك الخيوط العنكبوتية الناعمة، ووقعوا فى الفخ ودفعوا ثمنا فادحا، فليس المقصود هنا هو التشهير، ولكن التنبيه والتحذير، وأن تكون أخطاء الماضى مرشدا وهاديا للحاضر والمستقبل، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، حتى يجلس على كرسى الوزارة بسلام ويتركه بطمأنينة.. البلد مجهدة ومرهقة وتعبانة، ولا تحتمل المنظرة والفشحرة.. فتقشفوا تصحوا.