اليوم لن أتطرق لمواد دستورية بعينها مطلوب أو مقترح تعديلها، ذلك أننى رأيت أن أُبدى بعض الملاحظات العامة على مجمل التعديلات الدستورية المطروحة، إذ رأيت أن المواطن فى حاجة إلى توضيح حول أهداف التعديلات المقترحة وأهميتها، بغرض مواجهة أى محاولات للتشكيك من جانب أعداء الوطن، أو من جانب بعض الذين يتعرضون للتعديلات الدستورية المقترحة دون قراءتها، أو بحثها بما تقتضيه من عناية، ومن ثم يحلو لهم اختزال الأمر فى مجرد التعديلات المتعلقة بالرئاسة.
وعليه، فإن الملاحظات التالية أود لو تُجلى الصورة أمام الرأى العام، سعياً إلى الوصول إلى قناعات حقيقية تُفضى إلى تعديلات تلبى بالفعل تفضيلات المواطن، ويشعر بعدها أنه بالفعل دفع بوطنه إلى منطقة أفضل على طريق بناء الدولة المدنية الحديثة، فأقول:
مع كامل التقدير لكل مواطن مصرى من حقه إبداء رأيه صراحة فيما هو مطروح من تعديلات، إلا أن المختصين ينبغى أن يقولوا كلمتهم بوضوح وبتفصيل شديد، ففى ذلك تأكيد على حق المواطن فى المعرفة، وتشكيل رأيه وفق أسس سليمة لا أهواء فيه، أو غموض، ولست أتصور إلا أن مجلس النواب سيفرد مساحات كافية لأهل الرأى المتخصصين، وأتمنى لو فعل الإعلام الشىء نفسه.
مصر ليست دولة دينية أو عسكرية، وتعديل الدستور له قواعد صارمة، لا أشك أبداً فى حرص الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، على التأكيد عليها والالتزام بها، حتى تخرج التعديلات مُحققة الغرض منها فى فرض الاستقرار، وإقرار قيم ومبادئ إنسانية لم تعد تغيب عن المجتمعات المتقدمة التى نود الانخراط فى منظومتها بصفتها وحدها الكفيلة بتحقيق طموحات الشعب فى حياة كريمة حرة.
حاجة مصر إلى دستور جديد قد تكون فكرة مطروحة فى وقت ما، قريب فى عمر الشعوب، ذلك أن الوطن يمر بمرحلة بناء جديدة من شأنها استكشاف الكثير من الأمور التى تتطلب تعديلات بحكم ما ستفرزه التجربة، ولا ينبغى تناول مثل هذا الأمر باعتباره قصوراً فى دستور 2014، قدر ما هو تطور تفرضه مستجدات الأحوال، وهنا تبرز أهمية وضع دستور جديد فى ظرف تتمتع فيه الدولة بقدر من الروية ربما لا يتوفر الآن فى ظل ما نواجهه من تحديات ومخاطر، وحتى لا يُنجز دستور جديد على عجل، دون دراسة مستفيضة.
من أهم القيم الديمقراطية التى أنتجها دستور 2014، هو ما وضعه من صلاحيات واختصاصات واسعة للبرلمان، وهى مسؤولية ضخمة، وتكليف شاق، أتصور أن البرلمان أدى فيه جهوداً كبيرة، ما كان بدونها يستطيع إنجاز جملة من التشريعات الضرورية التى مكنت الدولة من عبور مناطق خطرة فى سبيلها، إلى التنمية المستدامة الكفيلة بتحقيق طموحات الشعب، وترسيخ الدولة الوطنية، وأتصور أن أى تعديلات لدستور 2014 لن تنتقص أبداً من النظام البرلمانى وصلاحياته، بل أشعر أن التوجه نحو إضافة مسؤوليات يضطلع بها مجلس الشيوخ المزمع إقامته، كجناح ثان مع مجلس النواب.
أيضاً فإن من العلامات المؤكدة على مدى ديمقراطية الدولة، أى دولة، هو ما تتمتع به سلطتها القضائية من استقلالية واحترام وتقدير، بل وقدسية لما تنشره من عدالة فى نفوس الشعب، ولذلك كانت استقلالية السلطة القضائية واحدة من الأسس المتينة التى يرتكز عليها مفهوم الدولة المدنية الحديثة التى نعبر عنها تحديداً بمفهوم «سيادة القانون». وأتصور أن التعديلات المقترحة لن تمس استقلالية القضاء أبداً، بل ستدفع به إلى موقع أعلى من أى مزايدات يمكن أن تنال من سمو قدره فى المجتمع، ويكفينى أن الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب، أكد أن المجلس سيستمع بكل التقدير إلى رأى السلطة القضائية فيما يتعلق بشؤونها.
مجمل التعديلات الدستورية المقترحة تصب فى رصيد إصلاح النظام السياسى ككل، فضلاً عن معالجة ما بدا من بنود دستورية، فى دستور 2014، ثبت أنها غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع؛ ومن ثم فإن التعديلات تضمن تحصين الدستور من محاولات الالتفاف عليه، أو مواجهة طعون دستورية تهز استقرار الدولة، وتثير الارتباك فى حركتها نحو أهدافها الوطنية.
كون التعديلات الدستورية قد نبعت من مجلس النواب، وهو ممثل الشعب، فإن أغراض التعديل لابد وأنها تتفق وصحيح الممارسات التى عرفتها التجارب الدولية الناجحة فى هذا الشأن، إذ إن الدساتير لا تُعدل لغرض إلا تحقيق المصلحة الوطنية، وهى بالفعل أمانة منوط بها مجلس النواب، وأراه حريصاً على حفظها.
وإلى الأسبوع المقبل بإذن الله.