فى كتاب «أوائل زيارات الدهشة» للشاعر الكبير محمد عفيفى مطر، يصف كيف أنه ذهب إلى أستاذه محمد قنديل ليخطب ابنته نفيسة قنديل فيقول «حين ذهبت إليه بعد سنوات طويلة أخطب إليه ابنته، هرب الدم من وجهه وارتبكت حركته وهو يبحث عن علبة سجائره بينما السيجارة مشتعلة بين أصابعه، فهو فى حيرة عاصفة ما بين صداقة ممتدة يحرص عليها وبين خوف شديد على ابنته من مستقبل غامض تخيم عليه من التمرد والفقر وصلابة الإرادة ظلال مصير مجهول، فقال: إن رضيت فبها وإلا فأنت ابنى وهى ابنتى، فقال لها وألحَّ فى نصحها: هذا شاعر منشغل لا يمتلك شيئا سوى الشعر، عيناه نهمتان وروحه متقدة وحواسه لا تشبع ولا أمان معه، قالت: وأعرف أنه فقير متمرد قد يخرج من سجن إلى سجن، وأنه نذر حياته لما يؤمن به، وكنت أتمنى أن يختارنى».
الأحزان فى حياة الإنسان أشكال وألوان متعددة، تطارده حيًا وميتًا، وها نحن أمام حكاية حزينة أصابت روح الشاعر الكبير الراحل محمد عفيفى مطر، بعدما هاجم لصوص لا دين لهم ولا عقل أرملته السيدة نفيسة قنديل، يريدون سرقتها وانتهى الأمر باستشهاد السيدة الفاضلة، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، لذا عدت مرة أخرى لقراءة كتاب أوائل زيارات الدهشة.
أحب محمد عفيفى مطر قريته رملة الأنجب فى المنوفية وانتمى إليها، لكن القرية للأسف بعد سنوات طويلة تخلت عن جزء منه ولم تحترم ظله على الأرض وتركت على داره بقعة دم تشهد على الخونة الظالمين يوم القيامة.
الغريب أن السيدة نفيسة قنديل هى ابنة القرية أيضا، ولدت بها وعاشت فيها وماتت عليها، فكيف لدود الأرض النتن أن يفكر فى أذيتها، فيمكر ويدبر للاعتداء عليها، وهى السيدة المسنة، ابنة المكان وأخت الناس وأمهم، فكيف للمكان أن يفقد براءته؟!
وكيف للمكان أن يفقد قيمة الشعر، فلا يحفظ قدر شاعر بحجم محمد عفيفى مطر، منح القرية الكثير من المجد والفرح ومنحته الحزن فقط، ومَن هؤلاء الغرباء الذين سولت لهم أنفسهم أن يثيروا كل هذا الوجع فى شوارع قرية كلما ذكر اسمها ذكر اسم محمد عفيفى مطر مصحوبًا بالشعر والنضال، فحولوها إلى قرية «قاسية القلب» إن ذكر اسمها ذكرت الجريمة وعدم الإخلاص لشاعرها الكبير.
فى داخلى حزن كبير لا حد له من أجل السيدة نفيسة قنديل، ومن أجل محمد عفيفى مطر ومن أجل الشعر ومن أجل القرية التى فقدت روحها ومن أجل الإنسان الذى صار هدفا سهلا للجهلة وناكرى القيمة.