وقفت متأملا كثيرًا حال الإنسان اليوم، وحاله قبل ذلك، وتبادر إلى ذهنى سؤال مفاده: هل بينهما تشابه أم أن البون شاسع؟!
لقد قرأنا فى تاريخنا، كيف أن الإنسان بنى حضارة عظيمة سواء على المستوى العلمى أو الثقافى «المعرفى» أو العسكرى... إلخ، استفادت منها الأجيال التى عاصرت ذلك والأجيال اللاحقة، ووجدنا كذلك الأمر فى عصرنا الحاضر، أناسًا كانوا كالشمس للدنيا والعافية للأبدان، وليس كل إنسان بهذه الصورة، فلا شك أن ثمة اختلافا موجودا من ناحية علو الهمّة واختلاف الأحوال والأزمان والبيئات، لكن من المؤكد أن من أقام الحضارات كان يدرك أنه صاحب رسالة من أعظم أنواع الرسالات، إنها الرسالة التى تسهم فى تحريك عجلة الحياة، وعمارة الأرض.
والإنسان المسلم ينطلق نحو إقامة الحياة وعمارتها متعبدًا بذلك، باذلًا الوسع والجهد، مبتغيًا بما أعطاه الله الدار الآخرة، لا تفارقه النيةُ التى تجعله يستشعر دائمًا أنه صاحب رسالة، ويتحتم عليه أن يسهم بمنهجية واضحة المعالم فى البناء، سواء كان البناء للفرد أو المجتمع على تنوع الطرق التى تؤدى إلى البناء المطلوب مُستجيبًا لأمر الله سبحانه وتعالى «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ»، ويستشعر كذلك أنه سائر على هدى النبوة، حيث كان رسول الله ﷺ وهو يبلغ رسالة ربه فى نشر دين الإسلام، كان أيضًا يؤسس لحضارة قادرة على استيعاب البشرية كلها بكل أطيافها والفروق التى بينها.
ففى السُنة المطهرة نجد من الأحاديث الكثير الذى يحض على إعمار الكون والتعلم والبناء، منها قوله ﷺ «ما مِن مسلم يغرِس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طيرٌ أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة» رواه البخارى ومسلم.
وقوله ﷺ يحث على طلب العلم: «ومَن سلك طريقًا يَلتمِس فيه عِلمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة». رواه مسلم.
فكان التوجيه دائمًا إلى التعلم ونشر العلم والعمل من أجل بناء الحضارة، وهذا البناء لا يقتصر على نوع دون آخر، بل يشمل الجنس البشرى «ذكورًا وإناثًا»، فالخطاب فى الشريعة لم يفرق بين أحد: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﷺ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون».
فالكل مخاطب بالإسهام الفعّال فى إقامة الحياة، فللرجل دور، وللمرأة دور، وكثيرًا ما يتشاركان المهام ليرفعا معًا عماد المجتمع، ويكون لهما الأثر الواضح فى التأصيل والتمهيد لحضارات أخرى قادمة من خلال أدوار مباشرة يقومون بها، أو من خلال تربيتهم وتنشئتهم للأجيال القادمة، حتى يخرج منها صانعو الحضارات.
يحدث كل هذا حين يعى الإنسان رسالته والهدف المرجو منه تحقيقه كخليفة لله فى الأرض.
ولكن بالطبع ليس كل الناس يعتقدون مثل هذا، أو يرون أنهم حاملو رسالة أو أمانة سيُسألون عليها، ولكن يوجد من هو أسوأ من ذلك ويكون عقبة فى طريق صانعى الحضارات، وهم المحبطون المثبطون للهمم، الذين لا يكتفون بسلبيتهم وتكاسلهم، ولكنهم يعملون دائمًا على التقليل من أى جهد أو عمل يقوم به غيرهم، ولو أُتيحت لهم الفرصة لوضع العراقيل فى طريق كل من يسعى للوصول بالمجتمع إلى درجة أعلى من الرقى والتقدم لوضعوها، ومثل هؤلاء يجب التصدى لهم ولأفكارهم الهدامة التى تقتل أحلام وطموح أصحاب الرسالات.
ونحن قد أكرمنا الله بهذا الوطن، وطن وضعت فيه أسس الحضارة وصدرها للعالم كله، وطن كانت له جولات وصولات عبر مراحل التاريخ المختلفة فى الدفاع عن الإنسان، مهما كانت توجهاته أو ديانته، فالكل سواء تحت راية العدل الذى كفلته تعاليم الدين الإسلامى السمحة، ولكن بمرور الزمن ومع التطور الذى طرأ على كل شىء ومع الزيادة الرهيبة فى أعداد السكان، كان لا بد من وضع خطط جديدة بفكر متطور لمشروعات تحقق الاستقرار والرخاء للمواطنين، مشروعات فى مختلف المجالات التى بالمضى فيها نكون قد وضعنا قدمًا على طريق المستقبل، وساهمنا فى صنع حضارة جديدة تليق بوطننا، وهذا ما يحدث بالفعل، فالواجب على الجميع المشاركة، كل فى مجاله، للنهوض بهذا الوطن الغالى، ولنكن أصحاب رسالة، مدركين أن سبل التحدى اليوم مسلحة بسلاح العصر فى العلم والاقتصاد وغيرها.
وفِى الأخير أختم بقول الله تعالى: «وإنَّ اللّه لَمَعَ المُحْسِنِينَ».