قوات سوريا الديمقراطية تقترب من السيطرة على الباغوز منهية تواجد داعش الذى استمر لسنوات فى المنطقة.. سبق ذلك حصار الجيش السورى لحلب ونجاحه فى طرد التنظيمات المسلحة خارجها، ثم ما حدث فى غوطة دمشق ودرعا ودير الزور.. المتابع لما يحدث على الأرض فى سوريا يتوقع أن تنتهى الأحداث خلال الأسابيع المقبلة، ولكن الأهم هو ماذا بعد انتهاء وجود داعش وإنهاء سيطرة جبهة النصرة وجيش سوريا الحر وعشرات التنظيمات على مساحات واسعة فى سوريا.. سقطت دولة الخلافة التى حاول داعش إقامتها وتقلص دور جيش سوريا الحر الذى كان يجهز نفسه وقادته لإدارة البلاد وذابت جبهة النصرة مع حلفائها رويدا رويدا مع ضربات الجيش العربى السورى مدعوما بقوات إيرانية وروسية، بالإضافة إلى جفاف الدعم القادم من دول عربية خليجية.
الصورة تختلف على الأرض فعليا مع خروج عناصر داعش من الباغوز، وهو آخر جيوبهم ومعهم خرج 37 ألف مدنى و5000 من العناصر المسلحة و24 ألفا من أفراد العائلات، واعتقل 520 إرهابيا، كل ذلك ألقى بأعباء كبيرة على قوات سوريا الديمقراطية مع امتلاء مراكز الاعتقال التى ينقل إليها المشتبه بارتباطهم بالتنظيم والمخيمات التى يرسل إليها المدنيون وأفراد عائلاتهم الموالون أو المنضمون لتنظيمات مسلحة، وبينهم عدد كبير من الأجانب، ولاسيما مخيم الهول شمالا.. القادم فى سوريا هل تم التحضير له فى زيارة الرئيس الأسد الخاطفة لطهران، وهل كانت تمهيدا للاجتماع العسكرى الثلاثى الذى عقد فى دمشق وحضره كل من الفريق أول ركن عثمان الغانمى رئيس أركان حرب الجيش العراقى واللواء محمد باقرى نظيره الإيرانى والعماد عبدالله أيوب وزير الدفاع السورى؟.. هذه التحركات هل هى بداية أم تمهيد وتنسيق لخطة عسكرية لإعادة هذه المناطق إلى السيادة السورية على غرار مناطق أخرى؟.. وأعقب هذا الاجتماع تصريحان مهمان، أحدهما على لسان العماد أيوب وزير الدفاع السورى قال فيه إن الجيش سيحرر مناطق تخضع لسيطرة المقاتلين الأكراد فى شمال وشرق البلاد، والثانى على لسان الفريق أول الغانمى، فإنه سيؤدى إلى استئناف الزيارات والتجارة بين البلدين.. أيضا لم يفوت القائد العام للحرس الثورى الإيرانى الفرصة ليصرح مؤكدا أن هناك 100 ألف عنصر مسلح فى سوريا كانوا يشاركون فى قتال داعش.
فتح المعابر على الحدود العراقية- السورية وتحول بعضها إلى منافذ يحتاج إليها الحرس الثورى الإيرانى من أجل نقل الأفراد والمعدات إلى الداخل السورى، بالإضافة إلى خطوات ملموسة فى استكمال المشروع الإيرانى الاستراتيجى حول شق طريق برى وطريق للسكك الحديدية يربط إيران بميناء اللاذقية السورى عبر مدينة البصرة العراقية.. التصريحات والمشروعات الإيرانية تحمل رسالة إلى موسكو تحديدا، ردا على تصريح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين حول ضرورة انسحاب جميع القوات الأمنية من سوريا بما فى ذلك التشكيلات العسكرية الإيرانية المختلفة.. ملامح المستقبل فى سوريا ستختلف بلا شك عن ملامح سوريا السابقة، فهناك 16 مدينة وبلدة فى سوريا تشهد دمارا بعد حروب استمرت ثمانى سنوات ويصل حجم التدمير فى حلب التى تعد ثانى أكبر المدن السورية بـ36 ألف مبنى، تلتها الغوطة الشرقية بحجم دمار وصل إلى 35 ألف مبنى، ثم مدينة حمص التى دمر فيها 13778 مبنى، والرقة 12781 مبنى، وحماة 6405 مبانٍ، ودير الزور 6405 مبان ومخيمات الديوك للاجئين الفلسطينيين بجنوب دمشق بحجم دمار 5489 وهناك الشمال الذى لم يتم حصر كل التدمير فيه.
حجم الدمار على الأرض يحتاج إلى خطة تعمير شاملة وطويلة فى حين تحتاج العملية السياسية إلى جولات أخرى، ففى حين تساند قوى عالمية وعربية وسورية محلية مثل حركة المجتمع الديمقراطى التى يقودها حزب الاتحاد الديمقراطى «بايادا»، التى تؤكد على الدور الفعال لقوات سوريا الديمقراطية «قسد» فى شمال وشرق سوريا، وبالتالى فإن دورها السياسى يجب دعمه.. الحركة أيضا تدعو لمشروع سياسى يعتمد على الإدارة الذاتية فى شمال سوريا والتأكيد على مفهوم الأمة الديمقراطية التى تأخذ من وحدة الأراضى السورية أساسا لها والتى بإمكانها أن تحل كافة المشاكل فى سوريا.. مؤكدة أيضا أن أى مقترح بعيد عن الإدارة الذاتية يعنى الإصرار على عدم الحل، وأنه يجب أن يكون لممثلى شمال وشرق سوريا مكان فى أى اجتماع يهدف لبناء سوريا من جديد.. فى المقابل يعود النظام التركى إلى التلويح بإمكانية شن عملية عسكرية جديدة شرق الفرات، ومن الطبيعى أن تركيا لا تريد نفوذا أكبر للأكراد فى تلك المنطقة الحدودية الملتهبة ولا حل سوى الحل العسكرى كإجراء حاسم فى هذا الشأن، ومن الواضح أن رغبة تركيا فى الحفاظ على علاقاتها بروسيا ستدفعها إلى أن تقبل على مضض إنشاء منطقة آمنة عازلة منزوعة السلاح متاخمة لشرق نهر الفرات، ومن المؤكد أن تركيا لن تقبل بغير سحق سلاح الأكراد لردع حزب العمل الكردستانى الكيان الأم للأكراد الذى تصنفه تركيا ودول غربية منظمة إرهابية.
سوريا ما بعد خروج داعش أمامها قضايا متعددة منها إعادة التعمير ومحاولة ترميم جراح المجتمع السورى قبل المدن المدمرة.. القضية الثانية هى الوجود التركى فى الشمال والوجود الإيرانى والروسى وكيفية إعادة السيادة على كامل الأرض بشكل واقعى.. القضية الثالثة التى ستواجه سوريا هى عودة اللاجئين من أوروبا والدول العربية وإعادة توطينهم وحل مشاكلهم.. وقضية أخرى أهم هى التعامل مع عناصر التنظيمات المعتقلة حاليا بسوريا والعناصر الهاربة، بالإضافة إلى عائلاتهم وخاصة مع وجود آلاف الأجانب بينهم.
ثمانى سنوات من الحرب والدمار ستحتاج إلى سنوات طويلة لمعالجة آثارها، وهو ما ستعمل عليه سوريا فى الفترة المقبلة شعبا وجيشا وحكومة لكى تعود مرة أخرى قوة مؤثرة فى المنطقة.