كان الشاعر أحمد شفيق كامل فى زيارة للزميل محمد دياب فى دار الهلال، وكنت معه فى المكتب نفسه، وحكى لنا «شفيق» حكاية أغنية «حكاية شعب» التى غناها عبدالحليم حافظ، وقال إن عبدالحليم حافظ وكمال الطويل ومجدى العمروسى وأنا، كنا ساهرين فى فندق سميراميس العتيق الذى هدم للأسف، ومر علينا بالمصادفة وزير الثقافة فى ذلك الوقت عبدالقادر حاتم، ولمحنا فجاء إلينا وتحدث معنا فى ضرورة تقديم عمل فنى عن السد العالى، وخاصة أنه باق يومان على الحفلة التى سيحضرها الرئيس عبدالناصر فى أسوان، ثم تركنا وانصرف.
سهرنا للصباح نبحث ماذا نفعل، وكتبت القصيدة ولحنها كمال الطويل وحفظها عبدالحليم.. لكن توقف كمال وعبدالحليم عند جملة «ضربة كانت للمعلم» وشعرا بالتوجس.. كيف نقول عن الرئيس معلم، وطلبا منى تغييرها خوفا منه، ولكنى صممت عليها فوافقا لضيق الوقت، وسافرنا إلى أسوان لتقديم الحفل.
وبدأت الحفلة وكان الحضور الرئيس عبدالناصر وبجواره خروشوف والملك محمد الخامس وجميع أعضاء مجلس قيادة الثورة وكبار الشخصيات، وجلست فى الخلف أراقب رد فعل الرئيس على كلمة «معلم».
وبمجرد أن قال عبدالحليم «ضربة كانت للمعلم.. خلى الاستعمار يسلم» انفرجت أسارير الرئيس وأخرج منديله الأبيض وضحك بشدة.. فقلت لنفسى براءة.
وبعدما أنهى عبدالحليم الأغنية صفق له الحضور تصفيقا رهيبا وبعدما نزل مع الفرقة لتحية الرئيس.. طلب منه أعضاء مجلس قيادة الثورة إعادة غناء الأغنية.. وفعلا تم إعادتها من البداية إلى النهاية.
تذكرت هذه القصة عندما قرأت نتائج الاجتماع الذى عقده الرئيس السيسى مع الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، وغادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى، والدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، والدكتور محمد معيط وزير المالية، والسيد عباس كامل رئيس المخابرات العامة، والذى تناول استعراض مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2019/2020، حيث عرض السيد وزير المالية ملامح مشروع الموازنة، أنها تستهدف زيادة معدل النمو ليصل إلى 6%، وتوفير فرص عمل جديدة تصل إلى 800-900 ألف فرصة عمل من خلال دعم قطاعات الصناعة والتصدير، وخفض نسبة العجز الكلى للموازنة من 8.3% إلى 7.2 % من الناتج المحلى مع تحقيق فائض أولى بنسبة 2% من الناتج المحلى، بالإضافة إلى خفض نسبة الدين العام إلى 89% من الناتج المحلى، وزيادة الإنفاق على الاستثمارات فى مجالات الصحة والتعليم، وزيادة مخصصات الحماية الاجتماعية ودعم الفئات الأولى بالرعاية.
لكن الرئيس السيسى كعادته انحاز للمواطن ووجه الحكومة بسحب الاستشكال على الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بشأن العلاوات الخاصة لأصحاب المعاشات، وعرض الأمر على الجمعية العمومية بمجلس الدولة لاستطلاع الرأى فى بيان التسوية وفقا لمنطوق الحكم المشار إليه، وهى الخطوة التى أفرحت الكثيرين حتى أن تفاعلها وصل لحزب التجمع الذى أصدر بيان إشادة بقرار الرئيس وانتصاره لأصحاب المعاشات، وأيضًا وجّه السيد الرئيس بقيام وزارة المالية برد إجمالى المديونية المستحقة لصناديق المعاشات طرف وزارة المالية وبنك الاستثمار القومى، من خلال إعداد تشريع خاص ينظم تلك الإجراءات على أن يبدأ تنفيذ التسوية اعتبارا من موازنة العام المالى الجديد 2019/2020.
الرئيس لم يكتف بذلك بل أصر على تأكيد انحيازه للمواطن ووجّه أيضا بدراسة المقترحات الخاصة المقدمة من اللجنة المشكلة لإصلاح منظومة الأجور، على أن تنتهى اللجنة من أعمالها خلال شهر من الآن، ويبدأ التطبيق فى 1 يوليو 2019.
وقبل ذلك استعرض الرئيس مع وزيرة الصحة البناء المؤسسى لمكونات منظومة التأمين الصحى الجديدة، بما فيها نظم الدفع، وحزم الخدمات، وحصر الأصول وتصنيفها، والهياكل واللوائح التنظيمية، إلى جانب المتابعة الميدانية لمحاور المشروع بمحافظة بورسعيد، لاسيما جهود تطوير البنية التحتية للمنشآت الطبية بالمحافظة، والارتقاء بالقوى البشرية وتدريبهم على تشغيل المنظومة وفقاً للمعايير العالمية، واستكمال التجهيزات الطبية ونظم الميكنة. أيضًا الرئيس وجّه خلال الاجتماع مع وزير قطاع الأعمال بمواصلة جهود تطوير شركات قطاع الأعمال العام وفقاً للخطة الزمنية المقررة، لاسيما القطاعات الصناعية الواعدة مثل قطاع الغزل والنسيج، مشدداً على أهمية قطاع الأعمال العام بأصوله العديدة والمتنوعة فى المساهمة فى التنمية الشاملة، فى ظل ضوابط أساسية هى صون المال العام، وحسن إدارة الأصول المملوكة للدولة، وبهدف دعم الاقتصاد الوطنى، وتحقيق فوائد ملموسة لصالح المواطنين.
وتشهد المنظمات العالمية بتحسن المؤشرات الاقتصادية والمالية المختلفة بها، والثقة المتزايدة التى يحظى بها الاقتصاد المصرى من المؤسسات الدولية، والتى كان آخرها قيام مؤسسة «فيتش» الدولية، التى تعد من أكبر مؤسسات التصنيف الائتمانى فى العالم، برفع التصنيف الائتمانى لمصر إلى B+ مع نظرة مستقبلية مستقرة، الأمر الذى يدلل على نجاح جهود الدولة فى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى الشامل.
لكن الرئيس يعلم أن الدواء مُر وأن طريق الإصلاح الاقتصادى بالرغم من صعوبته كان حتمياً من أجل الوصول إلى مستوى معيشة أفضل للمواطنين، لكن فى كل مناسبة يوجه الرئيس التحية والتقدير للشعب المصرى لتحمله أعباء الإصلاح بشجاعة وصبر.
الأمر المثير للدهشة حالة الجنون التى اجتاحت أهل الشر وإعلامه من هذه القرارات التى تصب فى صالح المواطنين، لكن أتذكر الآن ما قاله الرئيس فى الندوة التثقيفية التاسعة والعشرين والتى قال فيها: إنه فى 30 يونيو 2020 هتشوفوا مصر دولة تانية.
وها هو موسم جنى ثمار الإصلاح الاقتصادى بدأت ولن تنتهى مادام الشعب يقف فى ظهر الدولة ولا ينجرف وراء أى مخططات لهدمها.