نعانى جميعا، إعلاميين وصحفيين، أفرادا أو مؤسسات بالدولة المصرية، من الأخبار الكاذبة والتقارير الموجهة ومنصات قصف العقول وإطلاق الشائعات، كما نعانى من الانحيازات السافرة لوكالات الأنباء العالمية وكبريات مؤسسات الميديا الغربية التى ترفع شعار «كل شىء للبيع» من الافتتاحيات إلى الملفات الكاملة وساعات البث التليفزيونى والبرامج الوثائقية المفبركة، ولعل الإهانات التى طالت عموم المصريين، مؤخرا على شاشة BBC، هى نموذج واضح لتحول كبريات القنوات الغربية إلى منصات موجهة لأغراض سياسية واستخباراتية.
سقطة BBC البريطانية لم تكن الأولى ولا حتى الثانية، بل تعددت سقطاتها المهنية وتجاوزاتها فى حق المصريين من خلال الدفاع عن الإرهابيين وأعضاء جماعة الإخوان والتنظيم الدولى وفتح المجال أمام متهمين مطلوبين للعدالة فى مصر للظهور والتطاول على المصريين أو تحدى القانون والعدالة فى مصر، ولعلكم تذكرون الفيلم الإخوانجى الشهير الذى بثته القناة عن مزاعم التعذيب فى مصر وكذا فبركة قصة أم زبيدة الإخوانجية عن الاختفاء القسرى لابنتها وتبين فبركة الفيلم وأن ابنتها متزوجة وبعيدة عن أسرتها وتقاطع أمها.
ولم تعتذر القناة البريطانية عن سقطاتها السابقة، رغم وعودها بفتح تحقيقات فى كيفية إعداد وبث التقارير المفبركة دون التحقق من المصداقية، ولن تعتذر بالطبع عن إهانتها الجديدة للمصريين.
المتابع لـBBC يجد أنها أصبحت تقود المنصات الرئيسية للحرب المعلوماتية وحرب الشائعات والتشويه ونشر الأكاذيب وإثارة الفتن عبر استقطاب الشباب والمجموعات الفقيرة والمحبطة لتكوين تيار رافض ومشكك فى الأنظمة الوطنية الإصلاحية، وكل ما يصدر عنها من إصلاحات أو إجراءات أو حتى مشروعات تنموية ليتحول هذا التيار الرافض أو بعضه تلقائيا إلى التطرف، ويصبح وقودا دائما للجماعات الإرهابية التى ترفع السلاح على الدولة. BBC منصة تشرف عليها أجهزة الاستخبارات البريطانية وترسم لها الخطوط العامة التى تتحرك فيها بمكاتبها المنتشرة فى عشرات الدول، والتى تمثل قنصلية مصغرة لبريطانيا التى كانت عظمى والتى كانت الشمس لا تغرب عن مستعمراتها! وبالنسبة لقنصلية الـ«بى بى سى» الموجهة فى مصر، فهى تسير على خط دعم الإخوان كجماعة إرهابية ونشر خطاب مظلوميتها الكاذب، وكذلك إن لزم الأمر تبنى كل ما يصدر عنهم من توجهات وبيانات ومواد إعلامية وفضائح وافتراءات، فجماعة الإخوان بكاملها ما هى إلا مجموعة عمل كانت نشأتها بتفكير ودعم الاستخبارات البريطانية ومازالت تتحرك وفق توجيهاتها، ومن هنا كان الفيلم التسجيلى عن التعذيب والاختفاء القسرى فى مصر وهى رواية إخوانية مغرضة من الألف إلى الياء هدفها التشويه والتحريض وقصف العقول الغافلة، مثلما كانت البذاءات الأخيرة التى طالت عموم المصريين.
وفى ظل أجواء الحرب الإعلامية الشرسة المفروضة علينا فرضا والممولة بمئات الملايين من الدولارات، كيف نتصور وسائل إعلامنا الوطنى؟ كيف نعيد بناءها ونؤهلها للمواجهة والانتصار فى الحرب الإعلامية ضدنا؟ وكيف نكتسب المناعة ضد سيول الشائعات والأكاذيب المبثوثة ليلا ونهارا فى فضائنا وعلى مواقع التواصل الاجتماعى؟
نحن حتى الآن، لم ننجح بنسبة مرضية فى مواجهة حروب الجيل الرابع لتفتيت المجتمعات وتفجيرها من الداخل بأيدى أبناء هذه المجتمعات، ولم ننجح بنسبة مرضية فى مواجهة منصات إطلاق الشائعات والأكاذيب وقصف العقول، خاصة على صعيد الميديا الغربية ووسائل التواصل الاجتماعى، ولعل هذا النجاح المؤجل لا يعود إلى نقص الكوادر الموهوبة والوطنية والمسؤولة، بقدر ما يعود إلى غياب التصور الشامل لمواجهة الميديا الغربية بالأسلوب الذى تفهمه وتتعامل به وباللغات الأجنبية ومن خلال منابر غربية أيضا. الحرب الإعلامية المفروضة علينا لا تقل شراسة عن موجات الإرهاب والتطرف المسلح المدعومة من أنظمة إقليمية ودولية وأجهزة استخباراتية كبرى، والتخطيط لبناء وسائل الإعلام ودورها يجب أن يقوم بالأساس على الحرية والمسؤولية للإعلاميين، مع تقديم أصحاب المواهب والقدرات، لأن التقاعس والتأخير والبطء فى ردود الفعل يصب مباشرة فى صالح المنصات العدوة التى تقصف عقول المصريين ليل نهار من الخارج. أقول مرة أخرى، الانتصار فى الحرب الإعلامية المفروضة علينا، لن يتحقق إلا بمنح الثقة للإعلاميين والصحفيين الوطنيين وأن يقدم الموهوبون منهم لإدارة وصناعة الرأى العام وفق الضوابط المهنية البحتة، مع منحهم حرية النقد والتعبير عن نبض الشارع وفق ما تعلموه من آليات مهنية وما حصلوه من خبرات، ومساءلة من يخرج عن القانون أو الضوابط المهنية من خلال النقابات.