مع سقوط آخر جيب لداعش فى سوريا بمنطقة الباغوز تخيل البعض ان معركة تحرير سوريا قد قاربت على الانتهاء او انتهت، فرغم تصريحات ترامب بانتهاء الحرب على داعش وتصريحات قادة (قسد) قوات سوريا الديمقراطية أن المعركة قد انتهت رغم ذلك، فالواقع السورى لا يؤكد ذلك، فمازالت هنا قوى إرهابية أو تنظيمات إسلامية مسلحة تسعى لإبقاء سيطرتها على منطقة إدلب السورية، وهناك جماعة (هيئة تحرير الشام) والتى كانت سابقا جزءا من تنظيم القاعدة واندمجت معها جهة أنصار الدين ثم جيش السنة ولواء الحق وحركة نورالدين الزنكى وتحول الاسم من جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام فى 28 يناير 2017 لينضم إليها مقاتلون آخرون، ورغم ذلك فإن قيادات جبهة النصرة السابقين مازالوا هم المسيطرين وتسيطر هيئة تحرير الشام (hts ) على إدلب بالكامل وهى الحاكم العسكرى لإدلب ووريث جبهة النصرة الممثل الأساسى لتنظيم القاعدة وتركز (h.s.t) على النجاح محليا مبتعدة عن الطموحات العالمية.
ومازالت روسيا تشن غارات جوية على قرى جبل الزاوية بريف إدلب وفى المقابل يتوعد أبوخالد الشامى المتحدث العسكرى لتحرير الشام قوات الجيش السورى بالعديد من العمليات ردا على قصفها لمناطق فى إدلب .
وتسعى هيئة تحرير الشام من خلال عملها العسكرى إلى إيجاد موطئ قدم لها فى الشرق السورى خاصة دير الزور والرقة مستغلة الانفلات الأمنى، وتأتى مساعى الهيئة للعودة إلى الشرق السورى ضمن خطط مدروسة وعلى مراحل أولها أيجاد خلايا أمنية تابعة خاصة فى المناطق التى مثلت حاضنة شعبية لجبهة النصرة قبل طردها على يد داعش.
وتعتمد الهيئة فى صناعة مجموعاتها الأمنية على شبكة العلاقات التى يوفرها العناصر المحليون المنتسبون لها من الشرق السورى وبينهم قادة بارزون مثل مظهر الويس وأبوالبراء الهجر وأبومصعب الشحيل من أبناء ديرالزور، وكذلك على وجود جمهور لها فى تلك المناطق كان قد اضطر للصمت أو حتى موالاة تنظيم الدولة الإسلامية أثناء فترة سيطرته ومع زوال داعش يمكن الآن لتلك الحاضنة أن تعاود التحرك بما أن الهيئة قادرة تنظيميا على استيعابها.
ويضاف إلى ذلك أنه مع تحطم البنية التنظيمية لداعش فقد باتت فلول مقاتليه فى المنطقة بحاجة لمظلة لهم وهو ما توفره الهيئة التى ستحاول الاستفادة من كوادر التنظيم عالية التأهيل.
محاولة الهيئة إيجاد موطئ قدم لها فى الشرق السورى ليست الأولى فقد سبقها محاولة فى نهاية العام 2017 عندما فاوضت تنظيم الدولة الإسلامية على تسليمها المناطق غربى الفرات فى الرقة وديرالزور أثناء تقدم قوات النظام إليها، لكن التنظيم رفض الأمر وقتها وكانت الهيئة تنوى إدخال قواتها من ريف حماة الشرقى إلى باديتى الرقة ودير الزور عبر منطقة عقيربات، لكن قادة التنظيم رفضوا الأمر وقاموا بتسليم المنطقة للروس خشية هجوم الهيئة عليهم فى تلك المنطقة.
أما عودة الهيئة إلى الشرق السورى عسكريا فتعتبر أمرا صعبا جدا بسبب الوجود الأمريكى شرقى الفرات والروسى غربه، كما يحول دون ذلك الرفض العشائرى لها بسبب خلافات سابقة على غرار حادثة قتال قرية المسرب بين عشيرة العساف وجبهة النصرة ومثلها مع أهالى قريتى ذيبان والزر أو بسبب تحميلها مسؤولية القتال العبثى مع تنظيم الدولة من قبل أبناء المنطقة.
لذا فقد يكون لعملها الأمنى فرصة للنجاح فى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام لأسباب أهمها إمكانية توفير الحماية لخلاياها الأمنية من قبل المجتمعات المحلية بسبب حالة العداء للنظام وحليفه الإيرانى الذى يسعى لنشر التشيع، فيما سيكون مصير خلاياها فى مناطق قسد رهين شكل علاقة المجتمعات المحلية مع السلطة القائمة حاليا والمفتوح على احتمالات الاستقرار أو التوتر.
ويرى بعض المحللين أن آخر معاقل الإرهابيين فى سوريا فى محافظة إدلب سوف تشهد فى القريب العاجل أعمالا حربية نشطة على نطاق واسع ومن غير المستبعد أن حشد السفن التابعة للبحرية الروسية بين الحين والآخر يجرى فى البحر الأبيض المتوسط خصيصا لهذا الغرض ورسميا لا تنفك واشنطن تكرر بأنها لا تدعم الأكراد ومخططهم الانفصالى، ولكن بحسب المصادر العسكرية العديدة فقد قام البنتاجون الأسبوع الماضى بتسليم دفعة أخرى من الأسلحة والمعدات العسكرية إلى قوات سوريا الديمقراطية والسؤال الذى يطرح نفسه: ما حاجة الأكراد وحلفائهم العرب إلى ذلك مادامت الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابى قد انتهت كما قال ترامب؟
وعلى خلفية التطورات الأخيرة يرى الخبراء العسكريون أن الأمريكيين لا يريدون السلام فى سوريا والشرق الأوسط ككل، وما القرار الذى اصدره ترامب حول ضرورة الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان إلا جولة جديدة من التوتر فى المنطقة فى محاولة لتحقيق الهدف الرئيسى وهو تقسيم سوريا وخلق سلطات انفصالية تابعة لهم لا تطيع السلطة المركزية فى العاصمة دمشق.