تطوير الصناعة المصرية وتوطين التكنولوجيا الجديدة فى جميع المجالات، أساس من أسس التنمية المنشودة، فلا يمكن التخطيط للمستقبل من دون أساس صناعى وزراعى قوى يسد الاحتياجات المحلية ويستطيع المنافسة على الأقل على مستوى أفريقيا والمنطقة العربية، خاصة أننا موقعون على حزمة من اتفاقيات التجارة الحرة مع دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، تمنحنا الفرصة لفتح أسواق كبيرة أمام منتجاتنا، وكذا تفتح أسواقنا بدون جمارك لمنتجات الدول الموقعة على هذه الاتفاقيات. وهناك قطاعات صناعية مصرية يمكن التركيز عليها وتطويرها لتحقيق فرص عمل جديدة وزيادة الصادرات المصرية، منها الغزل والنسيج والأسمنت والحديد والصلب والفوسفات والأسمدة والكيماويات ومشتقات البترول والسيارات الصغيرة، وهى بالمناسبة فى مقدمة الصناعات التى يمكن من خلالها السيطرة على أسواق أفريقيا.
وبدلا من التفكير كثيرا فى كيفية حماية أسواقنا بإغلاقها أمام منتجات الدول الأخرى أو تقييد عمليات استيراد السلع، علينا التفكير فى وضع أساس صناعى قوى وشامل يكفى احتياجات السوق المحلى الضخم، ويمكن أن يغزو الأسواق الأخرى بجودته العالية وأسعاره التنافسية، فقد انتهى إلى حد كبير مبدأ إغلاق الأسواق، وحل محله عمليات الإنتاج الشاملة التى تسيطر على الأسواق بالجودة والأسعار.
إقامة المجمعات الصناعية العملاقة مثل مجمعات الأسمنت فى بنى سويف ومجمع إنتاج الرخام بالعين السخنة ومدن إنتاج الجلود والأثاث، تسير، جنبا إلى جنب، مع التوجه الحكومى لإقامة وحدات المصانع الصغيرة، وهو ما يعنى أننا نسير فى الاتجاه الصحيح، فلا تقدم بدون ثورة صناعية حقيقية تجعل المنتج المحلى هو الأول على رأس قائمة الاستهلاك، ولا تنمية بدون المصانع التى تفتح البيوت وتوفر فرص عمل جديدة للشباب وتجعل المنتجات المصرية تغزو أسواق المنطقة والعالم بدل أن نكون سوقا مستباحة أمام أردأ المنتجات المستوردة بعشوائية.
وخلال الفترة الأخيرة شهدنا أكثر من خمسة آلاف مصنع تتضمنها التجمعات الصناعية الجديدة فى 12 محافظة بحلول 2020، لضمان تحقيق التنمية الصناعية بجميع المناطق الجغرافية ووقف عمليات النزوح من الأقاليم للمراكز الرئيسية، بحثا عن فرصة عمل، وكانت أولى دفعات المصانع، تسليم 500 مصنع مجهز بالتراخيص فى 3 تجمعات صناعية بمحافظات بور سعيد والمنوفية ومدينة بدر بالقاهرة، بالإضافة إلى الانطلاق فى مدينة الأثاث بدمياط ومدينة الجلود بالروبيكى.
العمل على إحياء المنتج المصرى كبديل حتمى للمستورد، وربط التصنيع بالزراعة واحتياجات المواطنين، والتوجه لتطوير الصناعة، يسد ثغرة استيراد الصناعات متناهية الصغر من الصين وتركيا وغيرهما، فى صلب استراتيجية إحياء الصناعة المصرية، فلماذا نستورد علب الكبريت مثلا أو المسامير وإبر الخياطة والأقلام الجاف ودبابيس طرح السيدات وخلة الأسنان ومساطر تلاميذ التعليم الأساسى، وغيرها من مئات السلع الصغيرة التى يجب وضعها فى قوائم، وإعطاء الأولوية فى الإقراض للمصانع المصرية الخاصة التى تنتجها.
كما أن تسهيل إنشاء المصانع الصغيرة والمتوسطة لسد فجوة الاستيراد كفيل بتوفير آلاف فرص العمل، وعودة الاعتبار للمنتج المصرى، الذى يتعرض للإغراق فى بلده دون ضابط ولا رابط، وكذا نشر الوعى بالزراعة العضوية وأهميتها، والمكاسب التى يمكن أن تأتى من ورائها كفيل بإحياء الزراعة المصرية من جديد وفتح أسواق واسعة أمامها، كما يقدم مئات الآلاف من فرص العمل التقليدية وغير التقليدية للأسر المصرية.
أيضا، إقامة المجمعات الصناعية وفق توزيع جغرافى عادل، مع التركيز فى البداية على الصناعات كثيفة العمالة، يسهم فى تخفيض معدلات البطالة، ويرفع مستوى الدخل لكثير من الأسر المصرية ويمنح الشباب الأمل فى بدء حياة جديدة، تحميهم من الأمراض الفكرية والمجتمعية وخاصة التطرف والمخدرات، كما تفتح باب المستقبل أمام أجيال جديدة نرجو لها أن تنشأ على الإنتاج والإبداع لا على المهن العشوائية والفهلوة.
يتبقى فقط إقامة تكتلات تسويقية للصناعات والسلع المصرية، والعمل على استضافة وفود من الدول الأفريقية والآسيوية والدول الأكثر استيرادا من مصر لعرض وتقديم أحدث المصنوعات المصرية بأسعارها التنافسية، فالنجاحات التى تحققها المعارض المصرية المفتوحة للمستوردين الأجانب تجعلنا نتيقن بأن حلم تحقيق طفرة فى الصناعة والإنتاج المصريين ممكن جدا.
وأمامنا منطقتان يمكن أن نبدأ فيهما مشروع المدينة التسويقية للسلع والمنتجات المصرية، الأولى هى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس التى تشهد نموا سريعا وإقامة العديد من الصناعات الثقيلة والمتوسطة، أما المنطقة الثانية فهى مدينة أسوان، وتخصيص منطقة لعرض الصناعات والمنتجات المصرية بها هدفه السوق الأفريقى الكبير الذى يشهد اجتياحا بالسلع الآسيوية الرديئة، فالسوق الأفريقى هو أحد المعابر والحلول لزيادة الصادرات المصرية.