بعد أيام، تحديدًا يوم 23 إبريل يحل ميلاد الشهيد الدكتور رفعت المحجوب، الذى اغتاله الإرهاب الأسود فى يوم أسود 12 أكتوبر 1990، وذكر، فإن الذكرى تنفع المؤمنين بمصر وطناً يعيش فينا، من أحب مصر واستشهد فى حبها، ومن يبيعها فى سوق النخاسة الدولية، بين من استبطنوا حبها، ومن خرجوا عليها خروج العاقين على الأم الرؤوم.. لا يستويان. وفى ميلاده، رحمة الله عليه، أقتطف قصة رواها فى مذكراته وشهد عليها مؤتمنون كثر، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.
سافر الدكتور رفعت المحجوب على رأس وفد رفيع المستوى فى إبريل 1990 إلى بغداد بتكليف من الرئيس الأسبق مبارك، لمقابلة الرئيس العراقى صدام حسين، والذى كان تلميذ المحجوب فى جامعة القاهرة، وذلك لمناقشة المشكلة العراقية/ الكويتية، وإيجاد حل سلمى بدلا من التدخل العسكرى العراقى فى الكويت.
وبعد الزيارة التى جمعت أكثر من 20 من الوزراء وأعضاء مجلس الشعب ورؤساء تحرير الصحف المصريين، قرر الرئيس صدام حسين إهداء الوفد المصرى بعدد 5 سيارات مرسيدس، سيارة لكل عضو فى الوفد المصرى، وطبعًا سيارة منها للدكتور رفعت المحجوب، أستاذ صدام حسين بالجامعة.
وتوقع الوفد المصرى أن الدكتور المحجوب سيرفض الهدية كعادته فى كل رحلة، فلم يكن يقبل أى هدايا من أى شخص أو جهة على مدى سبع سنوات «فترة رئاسته لمجلس الشعب من عام 1984 وحتى استشهاده عام 1990».
والغريب فى تلك المناسبة أن المحجوب، قد قبل الهدية، وأمر بشحن السيارات جميعًا إلى مصر باسم مجلس الشعب، وقد علم الرئيس الأسبق مبارك، وكل وسائل الإعلام بهذا الأمر، وبدا الكل متنمرًا، كيف يقبل رفعت المحجوب مثل هذه الهدية، وممن؟.. من صدام حسين، والذى كانت علاقته متوترة مع الرئيس الأسبق مبارك فى ذلك الوقت، هل هو يتحدى القيادة المصرية، أم تغيرت مبادئ المحجوب وتنازل عن قناعاته؟
وبعد عودة الوفد المصرى، وفى الجلسة المسائية لمجلس الشعب المصرى، وقبل وصول السيارات الهدية، إلى مصر، كان أعضاء فى المعارضة قد أعدوا مجموعة من الاستجوابات حول السيارات الذى ذاع خبرها، وصاغوا اتهامات كثيرة للمحجوب وأعضاء الوفد المصرى، الذين قبلوا السيارات من صدام حسين لكسر عينهم.
وما إن استهل الدكتور رفعت المحجوب افتتاحية الجلسة، وعرض تقرير الزيارة على أعضاء المجلس «الموقر»، حتى أعلن على الملأ أن الرئيس صدام حسين قد أهدى لمصر عددًا كبيرًا من السيارات المرسيدس، وأن كل أعضاء الوفد قد تنازلوا عنها لمصر، وأنه تم بالفعل تسليم أوراق هذه السيارات إلى وزارة المالية المصرية للإفراج عنها والتصرف فيها كممتلكات للشعب المصرى.
وفى حديث المحجوب مع الزعيم ياسر عرفات، رحمه الله، فى القمة العربية قبل غزو العراق للكويت، والذى كان أيضًا تلميذه، سأله القائد أبوعمار: ما الذى فعلته يا دكتور؟.. صدام غضب منك. رد المحجوب وقال: قبلت هدية وتنازلت عنها لبلادى، وهذا حقى «من حكم فى ماله فما ظلم»، فنحن يا أباعمار دولة آخذة فى النمو، ومصر أولى بها.
ثم سأله أبوعمار بحذق السياسى: وهل كان الرئيس مبارك على علم بالموضوع؟؟ فرد المحجوب: لا والله ولا هو ولا أعضاء الوفد أنفسهم، جميعا علموا بالتنازل عن السيارات منى فى الجلسة، مثلما علم السيد رئيس الجمهورية، الذى لامنى بعد ذلك لعدم إخطاره أولا.. ولكن الأمور عدت على خير.