لاحظت فى نفسى، مؤخرًا، نوعًا من الفتور، كشفته عدم القدرة على الإعجاب بكثير مما ألتقيه فى الحياة، رغم أن هذه الأشياء وأقل منها كان كفيلًا، من قبل، بأن يجعلنى أظل شاخصًا فى مكانى ساعات كثيرة، أتأمل ما آراه وأعدد محاسنه، هذا الفتور دفعنى لمراقبة ذاتى، كما أنه دفعنى للتفكير فى كلمة «الإعجاب» نفسها من أين تأتى وما فكرتها؟
وفى ذلك يقول كتاب «مفارقات السعادة» لـ«لوك فيرى»، «كانت كلمة الإعجاب فى الأصل وحتى القرن السابع عشر مرادفًا للدهشة، وإليكم على سبيل المثال المعنى الذى قدمه ديكارت لها «إن التعجب هو مفاجأة سريعة للنفس يجعلها تنظر باهتمام إلى الموضوعات التى تبدو لها نادرة واستثنائية، لهذا السبب كان التعجب فى نظره، كما هو الحال عند أفلاطون، واحدًا من أصول الفلسفة وأساسًا للتساؤلات الميتافيزيقية الأكثر عمقًا. وعلى مر العصور سيزداد المفهوم ثراءً وسيحمل دلالات جديدة تشير إلى ما هو أكثر من الدهشة والمفاجأة».
يقول الكتاب «إن المفهوم أن المعنى القديم للكلمة سيظل قائمًا لكن سيضاف إليه فكرة، مفادها أن الموضوعات التى تثير إعجابنا تشعرنا بالسعادة لأنها تعتبر مصدرًا للفرح، ولا يعد ذلك أمرًا بديهيًا فى كل الأحوال، ففى الواقع يكفى أن نفكر فى هذا للحظة لندرك أننا لا نعجب أبدًا إلا بما تجاوزنا، أى بما لا يكون بمقدورنا أن نفعله بأنفسنا، نحن نعجب بالكائن الاستثنائى، رياضيًا أو فنانًا رفيعى المستوى، نصفق لما يقدمانه أو لموهبتهما ليس لأنهما يشبهاننا أو لأننا نجد أنفسنا فيهما، لكن على العكس لأنهما يتجاوزاننا من الوجوه كافة، ولأن ما يصنعانه يستحيل علينا القيام بمثله، فالمتعالى هو ما يثير إعجابنا من دون تحفظ، الذى يختلف عنا ويفوقنا، وبالتالى فهو يجبرنا من دون تحفظ على الفرار من الأنا الخاصة بنا، ويدفعنا نحو نوع من الخروج عن الذات، ويلزمنا، أخيرًا، التفكير فى شىء آخر خلاف «نفسنا الغالية».
وبهذا المعنى أعجب اليونانى القديم بالكون، وأعجب المؤمن بالإله، والجمهورى بعبقرية الرجال العظماء من «العلماء والبنائين».
لا أعرف هل لسنوات العمر التى تطارد بعضها بعضًا دخل فى تراجع الدهشة داخلى، أم أن الأمر مؤقت، وأننى سوف أستعيد روحى مرة أخرى، وأظل أتتبع الفراشات المحلقة مرة أخرى.