التغيير يصل إلى تركيا المختطفة، وقريبا ستتحرك المياه الراكدة التى أغرق بها أردوغان ونظامه الشعب التركى والاقتصاد التركى والعلاقات التركية الخارجية، فما حدث فى انتخابات المحليات الأخيرة من فوز المعارضة بقيادة أكرم أوغلو فى أكبر مدينتين إسطنبول وأنقرة، مؤشر بالغ الدلالة على اقتراب نهاية الطاغية أردوغان راعى الإرهاب ورجل جماعة الإخوان فى أوروبا، ومع هذا التغيير المتوقع قريبا ستنطوى صفحة الاضطرابات السياسية والفوضى فى المنطقة العربية جنوب وشرق المتوسط، وستنعم المنطقة بدورة جديدة من الاستقرار.
رجب طيب أردوغان، استطاع السير طويلا فى طريق الديماجوجية واللعب بالثلاث ورقات، لخداع شرائح واسعة من الشعب التركى حتى يظل قابضا على السلطة، فهو على خطى رجال التنظيم الدولى للإخوان يعتبر الديمقراطية طريقا ذا اتجاه واحد فقط، حتى إذا أوصله لمقعد الحكم يتفنن فى الحيل والألاعيب ليظل على المقعد السحرى الذى يدير من خلاله الأمور، حتى لو أدى ذلك للتعاون مع أخطر التنظيمات الإرهابية، أو التحايل على الدستور التركى، أو تغيير النظام البرلمانى للبلاد إلى نظام رئاسى، كلها تسميات لأمر واحد عبر عنه مكيافيلى بشعار «الغاية تبرر الوسيلة».
وفى سياق خداعه للبسطاء من الشعب التركى المتعطش لاستعادة مجده القديم عندما كانت السلطنة العثمانية تحكم مناطق واسعة من أوروبا والعالم، حاول أردوغان أن يظهر نفسه بأنه أمير المؤمنين ووريث الخلافة العثمانية البائدة، وكذا حامى حمى القدس وسائر المقدسات الإسلامية، هكذا فى الخطابات الرسمية والخطب الجماهيرية، أما فى الكواليس فهو المنبطح وذيل واشنطن الذى ينفذ مشروعها بنشر الفوضى المدمرة فى البلاد العربية، وعميل تل أبيب الذى يقبل التراب تحت أحذية قادتها ويعلى من شأن التبادل التجارى معها على أى مبدأ أو ثابت.
أردوغان تصور أنه قادر دائما على تقديم الشىء ونقيضه والفوز مع كلا الاختيارين، يسقط طائرة لروسيا ويصالحها من خلال صواريخ إس 400 وصفقات تجارية سرية، يهاجم إسرائيل ويتوعدها بعقوبات بعد منع سفنه من الوصول لغزة، ثم يلحس كلامه ويرتمى فى أحضان نتنياهو، يحتجز قسا أمريكيا فى موقف استعراضى يجعله مناطحا للإدارة الأمريكية أمام مؤيديه، متصورا أن استعراضه يمكن أن يمر مرور الكرام، ثم لا يلبث أن يركع صاغرا ويفرج عن القس الأمريكى دون شروط، والأمر كذلك فيما يتعلق بصفقة الصواريخ الروسية إس 400 التى رفضت واشنطن أن يحصل عليها، لكنه مازال يكابر ويطلق التصريحات الإعلامية الساخنة قبل أن يركع كالعادة.
علاقة أردوغان بالتنظيمات الإرهابية وأخطرها تنظيم داعش والقاعدة وجبهة النصرة وأحرار الشام ليست جديدة، فتلك التنظيمات هى من ساعدته على بسط نفوذه على مناطق عربية فى سوريا والعراق، كما أنها سهلت له الحصول على كميات كبيرة من النفط العراقى والسورى بسنتات قليلة أو مقابل السلاح، وتسهيل مرور المرتزقة والمقاتلين، فى إطار تنفيذ المشروع الأمريكى لتكريس الفوضى الخلاقة بالدول العربية، وإعادة تفتيتها إلى دويلات متناحرة على أساس عرقى ودينى.
ومع تراجع المشروع الأمريكى لتفتيت الدول العربية بالفوضى الخلاقة وإبداء العواصم المنكوبة صمودا كبيرا وإصرارا على بقاء السيادة للدولة المستقرة، مازال السلطان العثمانى المزيف حريصا على علاقاته مع التنظيمات الإرهابية ورعايتها وتمويلها وإسباغ الحماية على مقاتليها أيضا، لاستخدامهم فى مخططاته التوسعية وحلمه بإقامة تركيا الكبرى وريثة الإمبراطورية العثمانية التى أفل مجدها.
حاليا هناك قوس جديد من التغيير للأفضل يشمل ليبيا والجزائر والسودان، وهو استلهام مباشر من التجربة المصرية بعد ثورة 30 يونيو التى وقفت حائط صد أمام اجتياح الخليج وأمام إعلان نجاح مشروع الفوضى، ومن ثم بدأت الإدارة الأمريكية تسحب مشروعها من المنطقة بمرونة وتقبل باستعادة الدولة المركزية المستقرة وجودها بديلا عن سيطرة الميليشيات والحركات الإرهابية على حكم تلك البلاد، تمهيدا لتقسيمها وإعادة تفتيتها.
ومع القوس الجديد من التغيير وإعلاء الدولة المركزية المستقرة سينسحب هذا التغيير على الدول التى كانت بمقابة المخرج المنفذ لمشروع الفوضى فى المنطقة وفى مقدمتهم قطر وتركيا، وإذا كنا قد شهدنا ظهور رموز جديدة للحكم فى تركيا مع انتخابات المحليات، فإن الأيام القريبة ستشهد الإطاحة بتنظيم الحمدين، واستعادة الشعب القطرى لحريته المسلوبة وثرواته المنهوبة، وجنسيته السليبة.