فشلت المركبة الإسرائيلية «بريشيت» فى الهبوط على سطح القمر، وذلك بعد رحلة بلغت نحو 50 يومًا، منذ انطلقت المركبة فى سبيلها لوضع دولة الاحتلال فى مصاف الدول العلمية التى حققت نشاطا واضحا، وفى عقيدتها فكرة واحدة هى منح الكيان الصهيونى لقب رابع دولة بعد الاتحاد السوفيتى وأمريكا والصين فى الوصول إلى القمر.
هذا التحطم أثار نوعا من البهجة داخل النفوس العربية، لا يمكن إنكارها، ولا التقليل منها، لكنه يكشف فى أحد وجوهه أن العرب فشلة أيضا، فهم مجرد مشاهدين فى حلقة العلم الواسعة، فالصعود إلى القمر، ليس مجرد قدرات علمية وإمكانات مادية، إنه قبل كل شىء إظهار قوة وإرغام العالم بالاعتراف، وإسرائيل تريد أن تفعل ذلك بقوة، لا يهمها شىء من وصولها إلى القمر أو المريخ سوى أن يوضع اسمها فى الكتب والأبحاث وأن يتردد فى المحافل العلمية، حتى تتحول هذه الكذبة القائمة على دم الفلسطينيين إلى حقيقة.
وسط كل ذلك لا تنشغل أى دولة عربية، رغم أن البعض لديه إمكانات مادية كثيرة تؤهله، بأى نشاط علمى حقيقى على المستوى العالمى، ليس لدينا سوى أفراد ينجحون فى بيئات أجنبية، ينجحون بعيدا عنا، ونحن نفخر بذلك، لكن أن يحدث ذلك على الأرض العربية، فهذه أفكار غير مطروحة بالمرة.
هل تعلم أن المهمة الإسرائيلية كلفتهم مائة مليون دولار، وهذا الرقم لا يساوى شيئا فى مقابل المجد الذى حققوه منذ أعلنوا عن انطلاق المركبة، فما بالك لو نجحت التجربة، ولأنهم يعرفون ذلك أكدوا أنهم سيرسلون مركبة أخرى بعد ثلاث سنوات من الآن.
وذلك يجعلنا نفكر فى هذه السنوات الثلاث، هل تفعلها دولة عربية وتقدم شيئا علميا يتحدث عنه العالم، أم أن الجميع سوف يقتصر رد فعلهم فى الدعاء على إسرائيل بأن تفشل تجربتهم الجديدة، ثم نجلس بنصف ضحكة بلهاء على وجوهنا كأن الفضاء ملك يميننا.
الجامعات فى الدول المتقدمة تشغل نفسها بالكم المنتج من الأبحاث والنظريات، بينما العرب لا يعرفون شيئا عن الأوراق العلمية ولا يشغلون أنفسهم بالمستقبل القريب أو البعيد، إنهم يطاردون ماضيهم ويقبضون على أطياف السابقين ليسألوها عن مجد أجدادهم، غير مكترثين بالأحفاد ولا أحلامهم.
نعم الموضوع أكبر من إسرائيل ومن مركبتها الفضائية، فالعالم يتصارع علماؤه من أجل الفروض والنظريات فاتحين الباب للعقل يتفق ويختلف، بينما نحن لم نتجاوز بعد «التفكير العاطفى» حتى فى مواجهة الأخطار التى تترصدنا، وبالتالى سوف تذهب إسرائيل وغيرها إلى أبعد من القمر، بينما سنواصل نحن سؤالنا للقمر عما فعلته به بنات الحور.