تصر الأجيال السابقة على إحراجنا دائما، مرة بما تركوه خلفهم من إبداع متميز، أحيانا نعجز عن استيعابه ومعرفة قدره وأهميته، ومرة أخرى عندما لا نعرف كيف نحافظ على تراثهم المعنوى والمادى الذى خلفوه لنا، وبطل القصة هذه المرة هو منزل شاعر الشباب أحمد رامى فى منطقة حدائق القبة، وهذا المنزل مسجل فى قائمة جهاز التنسيق الحضارى، وكانت إحدى اللجان قد حددت أنه لا يجوز هدمه ولا تغيير ملامحه، لكن هذا البيت ومنذ سنة تقريبا وهو ضيف دائم على صفحات التواصل الاجتماعى، بسبب إصرار مالك العقار على هدمه باستخدام أساليب تخريبية متعددة.
وبالطبع ليس بيت أحمد رامى الضحية الوحيدة لعدم الوعى الثقافى السائد وتراجع حس الجمال وغلبة الناحية المادية، بالتأكيد هناك بيوت وفيلات كثيرة لمبدعى زمن الحب الجميل، تم تدميرها أو تحويلها لأبراج سكنية أو تم تركها وإهمالها، وتحولت لأماكن تجميع قمامة، فمن قبل كانت فيلا الفنان فريد الأطرش فى حلوان إحدى ضحايا هذا الإهمال وهذه الرؤية.
ولا نعرف تحديدا دور جهاز التنسيق الحضارى فى المحافظة على هذه المبانى التراثية، ومدى تنسيقه مع المحافظات والمسؤولين فيها، ولماذا لا يملك قوة تنفيذية على الأرض، والمتابع لما يحدث يكتشف أن دور الجهاز يكاد يكون استشاريا، فهو يرى أن هذا المبنى ذو طابع جمالى وتراثى، لكنه لا يملك القدرة على مواجهة المنتفعين من أصحاب العقارات وبعض المسؤولين الذين يحملون رؤية أخرى مختلفة، ويسعون لتنفيذها بقوة، فالجهاز أكثر من مرة يفاجأ بالهدم، ويطالب المحافظات بالمنع، لكن لا حياة لمن تنادى كما حدث كثيرا فى فيلات بالإسكندرية.
وهناك خطأ آخر يحدث باستمرار، هو أن جهاز التنسيق الحضارى لا يعرف بعمليات الهدم والتشويه إلا عن طريق صفحات السوشيال ميديا ويفاجأ بها، بما يعنى أنه غير متابع بالمرة لهذه المبانى، ولا يعرف تطورات الأمور فيها، وينطبق ذلك حتى على المبانى التى تعانى من مشكلات مثل منزل أحمد رامى، الذى تقدم صاحبه أكثر من مرة بمحاولات لإخراجه من قائمة الجهاز، وهنا كان يجب على الانتباه والتركيز والترصد للمبنى.
وفى مثل هذه الحالات لا سبيل سوى نزع الملكية والتعويض المادى لأصحابها، وتحويل هذه المبانى بعد ترميمها إلى متاحف ومكتبات عامة لأبناء الحى الموجودة فيه، على أن تحمل اسم أصحابها من المبدعين والمفكرين، كذلك على جهاز التنسيق الحضارى أن يغير فى قوانينه بما يسمح له بالقدرة على تنفيذ قراراته وخروجه من دائرة الاستشارية.