1
كل عمليات الاقتراع التى تلت ثورة 25 يناير، سواء كانت انتخابات برلمانية أو رئاسية أو استفتاء على الدستور أو تعديلاته، كانت كاشفة وفاضحة.
كاشفة لوعى الشعب المصرى وإدراكه المستمر على التحرك فى الوقت المناسب لدعم الوطن، بخلاف إدراكه لأهمية المشاركة وقيمة صوته الانتخابى بشكل ربما يكون هو المكسب الأهم والأكبر لثورتى 25 يناير و30 يونيو.
وفاضحة لحقيقة حجم تأثير أصحاب الأصوات العالية على السوشيال ميديا والفضائيات الإخوانية التى تبث من الخارج، التى يتكشف لنا مع مرور الوقت أننا أمام صدى صوت تردده فى الجنبات لا يعبر أبدا عن أى تأثير حقيقى وفعال على أرض الواقع، كما يحسب لطوابير المصريين المشاركين فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية استمرارها فى فضح طفولية الممارسة السياسية التى يقوم بها الإخوان والنشطاء الذين لم يدركوا حتى الآن، ورغم الخسائر المتتالية أن دور العامل فى المجال السياسى هو التأثير فى الناس وليس السخرية منهم أو اختياراتهم حتى ولو كانت هذه الاختيارات على خلاف هواهم.
لم يفهموا بعد أن الديمقراطية التى يرفعون شعاراتها تتعارض تماما مع فكرة الوصاية التى يتقلدون تيجانها لتحديد مسارات الناس نحو ما يريدون أو السخرية والتحقير منهم إن اتجهوا عكس سيرهم، لذا تبدو حملات السخرية التى يمارسها النشطاء أو الإخوان فى حق المواطنين المشاركين فى طوابير الاستفتاء هى البديل الوحيد المتاح فى أيديهم لخيبتهم وفشلهم.
2
«سى لطفى» فى فيلم إسماعيل ياسين فى مستشفى المجانين كان شعاره الدائم «ساعة تروح وساعة تيجى».. ساعة نجد فيها نشطاء ورموز معارضة وقد أصبحوا ملء السمع والأبصار، وساعة يخفت نجمهم وتنزوى مؤتمراتهم وحركاتهم ويتلاشون.
كل أفراح مصر لا تخلو من فقرة أغنية «الدنيا زى المرجيحة يوم تحت ويوم فوق».. فى يوم تعلو مرجيحة سياسيين ونشطاء ويتصدرون المشهد ويتحكمون فى الساحة السياسية، وفى يوم آخر تعود بهم المرجيحة إلى حيث الظل أسفل الأحداث وبؤرة الضوء.
فى زمن ما بعد الثورة كل طرف من الأطراف السياسية فى مصر إخوان، وسلفيين، وليبراليين، وفلول، ونشطاء، ينال حظه من المكسب السياسى، فيكتب قصائد المدح فى المصريين كشعب عظيم، يخسر مكانه السياسى فلا يجد سوى الشعب لتحميله المسؤولية.
فى الاستفتاء الحالى على التعديلات الدستورية يبدو مؤسفا أن تخرج بعض الأصوات من أفواه نشطاء وسياسين وثوريين وهى تسخر من الشعب المصرى وخياراته وتتهمه بالجهل، وهم بفعلهم هذا لا يختلفون كثيرا عما قاله عمر سليمان بخصوص أن الشعب غير مؤهل للديمقراطية، ووقتها تصدر النشطاء المشهد للهجوم عليه، بينما هم الآن يكررون نفس المشهد وبفجاجة أكبر.
3
«الشعب المصرى غلب معاكم» حينما شارك الشعب فى 25 يناير وصفه عمر سليمان ورموز نظام مبارك وقالوا إن المواطن المصرى غير مؤهل للديمقراطية وغير ناضج، بينما وصفه الإخوان والنشطاء بأنه أعظم شعوب العالم ومعلم البشرية، بعد أن كانوا يقولون عنه فى عهد مبارك إنه شعب خاضع وسلبى، حينما قال الشعب فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية مارس 2011 نعم، ثم اختار أغلبية برلمانية من الإخوان والنور وصفه الإخوان والسلفيون بأنه قال للدين نعم، وقال عنه الليبراليون إنه شعب مضحوك عليه بالسكر والزيت، ولا يملك وعيا كافيا.
حينما خرج المصريون فى مظاهرات 30 يونيو بالملايين لإزاحة محمد مرسى وجماعته من السلطة، قال الإخوان الشعب غير مؤهل، ويكره المشروع الإسلامى رغم أنهم من عام واحد كانوا يرونه أعظم شعوب الأرض وصناديقه قالت للدين نعم، بينما قال النشطاء الذين وصفوا الشعب من قبل إنه مضحوك عليه بالسكر والزيت إنه شعب عظيم ومؤهل للديمقراطية، وقال الفلول الذين وصفوا الشعب المصرى فى 25 يناير بأنه غير مؤهل للديمقراطية إن الشعب عظيم وواع.
حينما اختار الشعب السيسى فى انتخابات الرئاسة، قال عنه الإخوان إنه شعب عبيد بيادة يعشق القمع، بعدما قالوا فى المصريين شعرا حينما اختاروا مرسى فى 2012، بينما النشطاء الذين وصفوا المصريين فى 25 يناير و30 يونيو بأنه الشعب الثائر والعظيم والمستعد للمشاركة والديمقراطية، أصبحوا يقولون إن الشعب غير مؤهل ولا يعرف مصلحته.
فى انتخابات البرلمان الماضية، فى اليوم الأول ومع ضعف الإقبال أنصار 30 يونيو سخروا من الشعب، وقالوا إنه سلبى وغير مؤهل للديمقراطية والمشاركة، بينما النشطاء قالوا إن ضعف الإقبال دليل على وعى الشعب المصرى، وحينما زادت نسب المشاركة مع مرور الوقت قال المذيعون وأنصار 30 يونيو إن الشعب عظيم ويجيد اختيار نوابه، بينما قال النشطاء إن الشعب غير واعٍ وغير مؤهل لاختيار نوابه.
«حرام عليكم، سيبوا المصريين فى حالهم».