مشهدا – 1 -
يُفاجأ به أمامه وهو يسير فى أحد الشوارع خلال رحلته اليومية للذهاب إلى عمله، ينظر سريعا إلى المسافة التى تفصلهما، يجدها بضع خطوات فيحاول أن يختصر كل اثنين من خطواته فى واحدة حتى يتجاوز مأزق المرور بجوار هذا المجنون الذى يسير مترجلا متحررا دون عقل من كل قيوده حتى وصل الامر به إلى التخلص من حذاء قدميه.. نجح فيما خطط له وتجاوز الرجل بالفعل حتى ابتعد عنه مسافة تجعله آمنا على نفسه، لكنه رفض الاستمرار وعاد لنفسه سريعا وسألها عن سبب الهروب من الرجل ! ولم يجد إجابة فى أسرع حوار دار بينه وبين نفسه منذ أن بدأ رحلة التعرف عليها وجهادها، وفجأة وهو يلتفت إلى الرجل يجده مارا من أمامه بهدوء شديد دون ارتكاب أى حماقة، فيلحقه ويلقى عليه السلام ويمد يده ليسلم مبتسما له ويسأله عن إمكانية تقديم أى خدمة له، ويأتيه الرد بابتسامة فقط قبل أن يتركه ويرحل بعيدا.
مشهد – 2 –
تقف أمام زوجها غير مستوعبة ما يحدث أمامها، لذا تقف شبه مصدومة من قدرة الإنسان على الانتقال بنفسه من العالم الحاضر إلى عالم آخر لا يرى فيه ما تراه هى.. نادت بأعلى صوتها منذ أن كانت تقف فى مطبخها تعد وجبة غذاء صغيرة لهما، إلا إنه لم يسمعها وهذا ما جعلها تشطاط غيظا حتى وقفت أمامه وهى تسال نفسها، اين يذهب الإنسان عندما يغيب عن واقعنا الملموس؟، وماذا يفعل فى تلك اللحظات أو الدقائق أو ربما الأيام التى ينتقل فيها بشىء غير جسده إلى عالم غير العالم؟ !.. يدور الحوار وتفيق من اسئلتها ومحاولة البحث لها عن إجابة، على من يحاول أن يساعدها فى استعادة نفسها وكأنها فاقدة للوعى، وذلك فى أقل من دقيقة واحدة، إلا إنها نظرت لزوجها وارتمت عيناها فى عينيه وكأنها طفلة وجدت أمها بعد فراق فيتبادلا نظرة هى الأطول منذ أن عرفا بعضهما وقبل أن ينهياها بابتسامة عريضة من كليهما.
مشهد – 3 –
"الموت قريب منا بطريقة لا تتخيليها.. إحنا اللى بنحاول نعمل مش واخدين بالنا أو نتحايل على الواقع، تعرفى أن جزء من إيمانا هو الإيمان بالغيب، وإحنا تقريبا بنتصرف بطريقة كلها لا مبالاة، وللأسف حتى مش قادرين نعيش حياتنا وإحنا عارفين ايه هى حقوقنا وإيه واجباتنا، بنتصرف بطريقة غير مسئولة.. إنا لله وإنا إليه راجعون".. هكذا خاطب زوجته التى حاولت الاستفسار منه عن ما دار برأسها فى الدقيقة التى سرحت خلالها وهى واقفة أمامه وبعد أن يروى لها عن ما دار برأسه هو أيضا عندما التقى "المجنون" صاحب النظرة البائسة واليائسة والرائحة الكريهة والبدن العفن وبقايا الملابس البالية التى يستر بها أجزاء منه.. وصف "المجنون" أنه صورة من صور موت الحياة بداخلنا.. موت قد يفاجئنا فى طريقنا خلال رحلتنا الدنيوية.. يدور بين الرجل وزوجته حديث طويل انتهى عندما غفت عيناهما فى نوم عميق وكأنه "موت" مؤقت أن أراد الله لهما ذلك.