سؤال باستمرار يبحث عن إجابة.. فمع ميلاد كل شهر جديد أنتظر محصل الكهرباء، إلا أن النتيجة كل شهر دائما واحدة، وهى أن المحصل يأتى فى الفترة ما بين الحادية عشرة إلى الواحدة ظهرا فى أحد الأيام وسط الأسبوع، حيث لا أحد بالمنزل وهذا أمر طبيعى ومنطقى فالكل يعمل، والأبناء فى المدارس، وليست لدينا رفاهية وجود خادمة أو مديرة منزل، فتكون النتيجة دائما أن أجد " الكعب" – وصل يثبت الحضور ولا يثبت دفع المستحق – وتتراكم المديونية شهرين أو ثلاثة حسب الصدف التى غالبا لا تأتى.
المحصل مفترض أن مواعيد حضوره وانصرافه مفتوحة، ويعرف جيدا المناطق التى يجب أن يتوجه لها صباحا، مثل الأسواق التجارية والمحلات، والشركات والمصانع، ويعرف كذلك طبيعة المناطق السكنية، التى غالبا ما يقطنها الموظفون، الذين يخرجون للعمل من التاسعة صباحا حتى الخامسة مساء، وهذا أمر لا يخفى على فطنة أحد، ولا يحتاج إلى حسابات فنية أو خبراء اكتواريين أو دراسات جدوى وعلماء فى محاسبة الشركات أو المحاسبة الحكومية.
لحسن الحظ، المواطنون وجدوا بدائل عديدة للمحصل المتأخر، أهمها المنافذ الجديدة التى توفرها شركات الخدمات الإلكترونية التى تتيج دفع فواتير الكهرباء و المياه والغاز من خلالها، بالإضافة إلى التطبيقات التى تتيحها الموبايلات للمواطنين، ويمكنهم بسهولة شديدة سداد الفواتير من خلالها، الأمر الذى يؤكد لنا جميعا أن محصل الكهرباء، الذى لا يأتى الآن سوف يخسر وظيفته بعد أعوام قليلة جدا، خاصة أنه لم يقدم بدائل أو حلول جديدة ومبتكرة لتطوير عمله، بالإضافة إلى ثقته فى فكرة أنه موظف حكومة، ولن يستطيع أحد نقله أو إبعاده عن وظيفته، خاصة أنه يخلى مسئوليته القانونية بمجرد ترك " الكعب " على باب شقتك، ويعتبر هذا الإجراء كاف تماما ليؤكد أنك لا تدفع مستحقات الحكومة.
الوضع لدى محصل الكهرباء لا يختلف كثيرا عن محصل الغاز، الذى يأتى مرة واحدة فى العام تقريبا – وهذا حدث معى بالمناسبة – فقد جاء الرجل يحمل 13 فاتورة دفعة واحدة فى شهر ديسمبر من العام الماضى، وعندما سألته عن سبب غيابه أخبرنى أنه يأتى مرة واحدة حتى " يقفل" حساباته ويرتب دفاتره.
ثقافة المحصل الحكومى فى حاجة إلى تغيير جذرى، فهذه الوظيفة ستكون من الماضى فى المستقبل القريب، خاصة أن فكرة " الموظف" أو العامل هى المسيطرة على عقول أصحابها.
نحن فى حاجة حقيقة إلى تغيير ثقافة الموظف والاستفادة من نموذج "المحصل" على سبيل المثال فى وظائف أخرى بعد توفير التدريب والتأهيل اللازمين، وغرس ثقافة حب العمل ، وذلك يجب أن يكون بالتزامن مع الإسراع فى التحول نحو الشمول المالى وتغيير سياسة المدفوعات الحكومية، وهنا أستعين بعبارة الرئيس السيسى التى ذكرها فى المنتدى العالمى للتعليم العالى والبحث العلمى الشهر الماضى عندما قال: " "إننا لم نشارك فى الثورة الصناعية الأولى أو الثانية أو الثالثة ولا يجب أن تفوتنا الثورة الصناعية الرابعة ".