عندما أتحدث عن كتابة التاريخ، فأنا هنا لا أقصد التأريخ، فذلك موضوع مهم لكنه يحتاج مقالة أخرى، سوف أكتبها، أما اليوم فأنا أتحدث عن توظيف الأحداث التاريخية فى العمل الأدبى، وهو أمر موجود بالفعل، وكثير من الكتاب يذهبون إليه، ويعتمدون عليه فى صياغاتهم الأدبية، ومن خلاله يعيدون تفسير غوالقه أو يقومون بعملية إسقاط على الواقع، لكن الأهم أنهم يملأون الثغرات.
وملء الثغرات شىء ضرورى، لأن كتب التاريخ عادة ما تتبنى الهيكل الرسمى، فلا يهمها سوى القرار الذى عليه شعار الحاكم، أو الحدث الكبير الذى لا يمكن تجاهله، لكن قلة هى التى تهتم بالتفاصيل الإنسانية، فذلك يقوم به المؤرخ المختلف أو رجل الأنثربولوجيا، كما يقوم به الأديب الواعى.
والتاريخ المصرى حافل بالحكايات، ومعظمها لم يأخذ حقه من التأريخ بشكل كاف، أو تم تشويهه والإساءة إليه، ولم يجد من ينصفه أو يقدمه بشكله الحقيقى، دون مبالغة، ولعل ما فعله الكبير نجيب محفوظ فى بداية إبداعه فى ثلاثيته التاريخية «الفرعونية» أكبر دليل على ذلك، فقد اعتمد على بردية غير مكتملة تسمى بردية خوفو ويطلق عليها البعض بردية «وستكار» واستفاد منها فى روايته «عبث الأقدار».
ومؤخرا، التقيت الروائى الدكتور عمرو شعراوى، وهو أستاذ الفيزياء بالجامعة الأمريكية، وله روايتان الأولى اسمها «طوكر» حصلت على جائزة مجمع اللغة العربية، والثانية اسمها «ثورة قاو الكبرى» صدرت حديثا، وتحدثت عنها من قبل هنا فى هذه الزاوية، والروايتان تعتمدان على التاريخ، الزمن التاريخي والأحداث التاريخية، لا تنقلان التاريخ حرفيا، لكنهما تجعلان منه إطارا عاما، ومن خلاله يقول الكاتب ما يود قوله.
عندما سألته، وهو رجل العلم فى الجامعة وله أبحاث علمية مشهود بها، عن سبب غرامه بالتاريخ، قال إن الرواية الأولى ويقصد «طوكر» التى تدور بين التل الكبير المصرية وطوكر السودانية، راعه التشابه بين الزمن القديم نهايات القرن التاسع عشر والزمن الحديث بدايات القرن الواحد والعشرين، ليس الأحداث نفسها، ولكن الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية الكامنة خلف الأحداث، أما روايته الثانية، فقد كانت الدهشة ورد فعل السلطات في ذلك الوقت والدوافع الاقتصادية أيضا كفيلة بأن تشعل لديه الرغبة فى الكتابة التاريخية.
نعم الاستفادة من التاريخ فن ضرورى، يملك القدرة على استعادة الحياة مرة ثانية ومنح الأبطال الحقيقيين للحكايات فرصة ثانية ليقولوا كلمتهم من جديد.