«مفيش صاحب بيتصاحب مفيش راجل بقى راجل، هتعورني أعورك، هنبوظلك منظرك»، كلمات رغم ابتذالها وإهانتها للرجل، ودعوتها للعنف وإثارة الشغب، إلا أنها بلغة الأرقام تعد الأنجح فى عام 2016 ضمن الأغانى التى قُدمت، حيث تغنى بها مراهقان وطفل كونوا فرقة غنائية بعنوان «شبيك لبيك»، لتصل مشاهدتها إلى 131 مليون مشاهدة عبر موقع اليوتيوب، هذا الرقم لم يحققه معظم نجوم الوطن العربى الذين يتمتعون بالفعل بشعبية جماهيرية عريضة، أمثال الكينج محمد منير وسلطان الطرب جورج وسوف وراغب علامة وغيرهم ممن لهم جمهور كبير للغاية بمختلف أنحاء البلدان العربية، لكن لا تستطيع أن تقيس تأثيرهم وأغانيهم التى ستخلد بفريق مُهمش أو مغنى عشوائى ظهر على الساحة فجأة ثم اختفى فى ظروف غامضة كالرياح المحملة بالأتربة التى تأتى فى شهر أمشير وتُحدث القلاقل ثم تختفى فى اليوم التالى مباشرة، ليعود الجو مرة أخرى إلى طبيعته وهدوئه.
هذا الكلام ينطبق بالفعل على عالم الدراما التليفزيوينة وصراعاتها وما يدور فى كواليسها، فالبعض عندما تزداد نسب مشاهدة حلقات مسلسله، يعتبره الأول والأهم والأنجح وهنا أقصد المسلسل وبطله ثم يبدأ فى المغالاة فى أجره، دون أن يدرك أن هناك ما يقرب من 80% من سكان المحروسة لا يتعاملون فى الأساس مع كائن اليوتيوب الإلكترونى، ويشاهدون فنانينهم المفضلين عبر الفضائيات فقط، نعم هذه النسبة التى تتمثل فى كبار السن وربات البيوت والأطفال والبسطاء والفلاحين، وبالأخص من يقطنون فى أقصى محافظات الوجه القبلى والصعيد، وبعض بسطاء محافظات الوجه البحرى وأيضا بعضا من سكان القاهرة، وكى أبرهن لك عزيزى القارئ على حديثى، فوالدى العزيز ماهر صحصاح الذى يقترب من نهاية الستينيات أطال الله فى عمره والحاصل على بكالوريوس تجارة جامعة طنطا منذ منتصف السبعينيات، وخرج لسن المعاش وهو يشغل منصب مدير عام فى هيئة الضرائب العقارية، ويحمل قدر كبير من الثقافة والمعرفة، هذا القدر يُمكنه من الحديث فى أى قضية سواء كانت سياسية أم اقتصادية أو غير ذلك، لا يجيد التعامل مع اليوتيوب ولا يعرف أى شىء عنه، رغم أنه متابع جيد للدراما المصرية وينتظر كل ما هو جديد فيها، بل يتابعها فقط عبر شاشات التلفاز، وفى اعتقادى أن هناك الآلاف بل الملايين مثله، إذن تقييمك لنجاح العمل ومدى تأثيره فى متابعيه أو إخفاقه وفشله من نسب المشاهدة فحسب، ما هو إلا أكذوبة أخترعها البعض وصدقها المهللون.
فمسلسلات مثل «ذئاب الجبل» و«المال والبنون» و«الضوء الشارد» و«سوق العصر» و«ليالى الحلمية» بأجزائه، و«عائلة الحاج متولى» و«أين قلبى» و«للعدالة وجوه كثيرة»، وغيرها من عشرات المسلسلات التى قدمت على مدار 3 عقود ماضية وأكثر مع اختلاف الوقت بينهم، مازال الجمهور يتذكرها وينتظرها عندما يعاد عرضها، لأنها أثرت فى وجدانه وعبرت عنه، فى وقت لم يكن فيه اليوتيوب موجودا فى الأساس، إذن العمل الجيد والنجاح لا يُستشعر بنسب مشاهدة اليوتيوب، ولكن بما يردده البسطاء فى الشارع عن المسلسل، وبما يعيش فى الوجدان مع امتداد السنوات.