كل عام وأنتم بخير، فى شهر رمضان يحل علينا عالم حافل بالروحانيات والسير الطيبة للصالحين، وخير الصالحين هو سيدنا محمد عليه أفصل الصلاة والسلام.
أؤمن بأن النبوة اختيار إلهى، وكرم من الله سبحانه وتعالى، لكنها فى أحد جوانبها سعى، بمعنى أن الإنسان الذى كرمه الله بالنبوة يستحقها، لأنه تغلب على شهواته وتحدى العالم المتاح السهل، وأعمل عقله وسأل الأسئلة الصحيحة، وكانت سيرة الحبيب محمد نموذجًا لكل ذلك.
لن أتوقف أمام كل شىء فى السيرة العطرة، لأن هذا أمر يطول، لكننى منذ قديم أتأمل علاقة الحبيب بعمه أبى طالب، وهو رجل يستحق كل تقدير، كان سيدنا النبى يحبه ويجله ويحفظ له جميل صنعه وحسن تربيته، وكان أبوطالب يحب ابن أخيه ويفضله ويقدمه، لا يتعامل معه كأنه تركة ثقيلة ورثها من أخيه وأبيه، أو خشية من العرب وعارها، بل كان محمد بمثابة الابن والقريب من القلب.
عندما بُعث النبى وذهب رجال قريش إلى أبى طالب مدركين أن محمدًا لن يرد له طلبًا، لأنهم يعرفون عمق العلاقة بينهما، ويعرفون فى النبى أخلاقه وجميل خلقه وبره بعمه، قالوا ما معناه، «إما أن تنهاه وإما أن تخلى بيننا وبينه»، وذهب أبو طالب إلى ابن أخيه قائلا: «يا ابن أخى، إن قومك جاؤونى فقالوا لى كذا وكذا.. فابق علىّ وعلى نفسك، ولا تحملنى من الأمر ما لا أطيق»، ورد النبى قولته المعروفه: «والله يا عم لو وضعوا الشمس فى يمينى، والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته»، ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى ثم قام، لأنه يعرف أن الأمر ثقيل على عمه، وأن الرجل مكانته فى خطر، فلما ولى ناداه أبو طالب: «أقبل يا ابن أخى» فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اذهب يا ابن أخى فقل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشىء أبدا».
هذه علاقة سليمة بين رجل وابن أخيه، الرجل يخاف على ابن أخيه، لأنه يعرف بطش قريش وجبروت رجالها ويعرف مكرهم، ويعلم أن الدعوة تهدم كثيرا مما يقوم عليه عالمهم الاقتصادى والاجتماعى، وأنهم لن يقفوا صامتين أمام كل ذلك، لكنه يعرف أكثر أنه لن يسلم ابن أخيه لهم، ولن يجنى مجدا على حساب نفسه.
وكان النبى يعرف أن عمه هو آخر السدود بينه وبين المشركين، يطمئن إلى حمايته، وكان عمه عند حسن ظنه دائمًا، لذا عندما مات أبوطالب سمى «عام الحزن»، فقد حزن محمد على عمه كما يليق بإنسان صالح يعرف قيمة الرجال والأهل.