حظر المسلمين سيلحق كارثة بالاقتصاد الأمريكى

المرشحون الجمهوريون لرئاسة الجمهورية الأمريكية الذين يتلاعبون بمخاوف الناخبين تحقيقاً لمآربهم الخاصة عبر التهديد بإغلاق أبواب أمريكا أمام الزوار المسلمين مع إخضاع المسلمين الأمريكيين لمراقبة مشدّدة، لم يفكّروا ملياً فى العواقب التى يمكن أن تترتب على هذه السياسة المتعصّبة وغير الأخلاقية. يتنافس المرشحان الجمهوريان الطليعيان، دونالد ترامب وتيد كروز، بطريقة معيبة، على استقطاب كارهى الأجانب والإسلام إلى معسكرَيهما من دون أى ضوابط.

الصدمة الحقيقية هى النتيجة التى توصّل إليها استطلاع آراء أجرته "بلومبرج بوليتيكس" و"بوربل ستراتيجيز"، وفيها أن 65 فى المئة من الناخبين فى الانتخابات التمهيدية الجمهورية يدعمون الفكرة، لا بل الأكثر إثارة للقلق هو أن 37 فى المئة من جميع الناخبين يوافقون على حظر المسلمين من دخول الولايات المتحدة. من الواضح أنهم لا يدرون البتّة أنه من شأن مثل هذا الإجراء غير المسبوق أن يسدّد ضربات قوية لأمريكا.

أولاً، يشكّل هذا الإجراء خرقاً للدستور الذى يحظر "الاختبارات الدينية". ثانياً، من شأنه أن يخلق مناخاً من المواجهة، (هم فى مواجهتنا نحن)، داخل الولايات المتحدة، ومما لا شك فيه أنه سيسبّب النفور لدى عدد كبير من حلفاء أمريكا التقليديين. ثالثاً، يقدّم هدية لمجنِّدى الإرهابيين وكارهى أمريكا. ورابعاً، ليس هذا الإجراء عملياً على الإطلاق نظراً إلى أن معظم جوازات السفر لا تأتى على ذكر الدين الذى ينتمى إليه حاملها. وغالب الظن أيضاً أن بعض، إن لم يكن معظم الدول ذات الأكثرية المسلمة سوف تعتمد مبدأ المعاملة بالمثل وتمنع بالتالى المواطنين الأمريكيين والشركات الأمريكية من دخول أراضيها.

لكن حتى لو وضعنا كل تلك التداعيات السلبية جانباً، لا شك فى أنه سيكون لحظر جميع المسلمين عواقب وخيمة على الاقتصاد الأمريكي، الأمر الذى من شأنه أن يتسبب بركود اقتصادى عالمى جديد، لأنه، وكما هو معلوم، عندما تعطس واشنطن، يصاب باقى العالم بالزكام.

بادئ ذى بدء، سوف يتلقّى قطاع السياحة الأمريكى ضربة قوية. أشارت دراسة أجرتها شركة "كريسنت ريتينجز" بالاشتراك مع شركة "دينار ستاندرد" الأمريكية، إلى أن معدّل الإنفاق لدى المسافرين المسلمين يفوق بألفَى دولار معدل الإنفاق لدى أتباع الأديان الأخرى، وتوقّعت، عبر أخذ النمو فى الاعتبار، أن يصل إجمالى الإنفاق المتعلق بالسياحة الإسلامية حول العالم إلى أكثر من 192 مليار دولار أمريكى بحلول سنة 2020.

ورد فى مقال نشرته صحيفة "تلجراف" بالاستناد إلى إحصاءات أجرتها مجلة "ترافل أند ليجر" والمكتب الوطنى الأمريكى للسفر والسياحة، أن حظر المسلمين من دخول الولايات المتحدة قد يكلّفها أكثر من 18.4 مليار دولار فى السنة "ناهيك عن كلفة إجراء التعديلات اللازمة فى البنى التحتية الحدودية من أجل تطبيق هذه الخطة".

مما لا شك فيه أن خطوط الطيران والمطارات ونظم المواصلات وسيارات الأجرة والمطاعم والمراكز الترفيهية وتجار التجزئة فى الولايات المتحدة سيتأثّرون سلباً بهذا الإجراء. عرب الخليج هم أيضاً من أكبر شارى السلع الفاخرة. يؤكّد موقع "إيكونومى ووتش" أن لدول مجلس التعاون الخليجى الحصة الأكبر فى الإنفاق على السفر بين بلدان الشرق الأوسط، وأن مواطنيها يشكّلون 37 فى المئة من مجموع المسافرين المسلمين حول العالم. تُظهر بيانات وزارة التجارة الأمريكية التى لا تستند فى إحصاءاتها إلى الدين، أن السعوديين أنفقوا 14.6 مليار دولار فى الولايات المتحدة بين عامَى 2005 و2014.

يجب ألا ننسى أيضاً أن أكثر من مئة ألف طالب مسلم غير أمريكى (80000 منهم من الجنسية السعودية) يرتادون الكليات والجامعات الأمريكية حيث تساهم الأقساط ونفقات السكن والمعيشة التى يسدّدونها بضخ ملايين الدولارات فى الخزينة الأمريكية وفى تمويل أقساط الطلاب الأمريكيين من الأسر الفقيرة. يبلغ معدل الأقساط والرسوم السنوية التى تتقاضاها الجامعات الخاصة نحو 32599 دولاراً، أى إن الجامعة تحصل على حوالى 130396 دولاراً من طالب واحد على امتداد أربع سنوات.

تسافر أيضاً أعداد كبيرة من المسلمين إلى الولايات المتحدة بحثاً عن علاج طبى تخصّصي؛ ويأتى كثرٌ مع عائلاتهم ليجمعوا بين احتياجات الرعاية الصحية والعطلة العائلية.

ويمكن أن تطال التداعيات أيضاً الصادرات الأمريكية لأن المستهلكين المسلمين – جميع المستهلكين المسلمين وعددهم 1.7 مليار نسمة – سيصبحون، بحكم الطبيعة البشرية، أقل ميلاً لشراء سيارات وأجهزة كمبيوتر وسلع فاخرة أخرى كُتِب عليها "صُنِع فى الولايات المتحدة". تفوق قيمة الصادرات الأمريكية إلى السعودية والإمارات العربية المتحدة 57 مليار دولار. ولدى أكثر من ألف شركة أمريكية وجود فى الإمارات العربية المتحدة فيما تعمل 120 شركة أمريكية فى قطر. وتملك آلاف الشركات الأخرى فروعاً فى مختلف أنحاء الشرق الأوسط وآسيا.

لا يمكن توقّع التأثير الذى سيمارسه حظر المسلمين على الاستثمارات، لكن قد تصبح العقود الدفاعية وصفقات شراء أسلحة وطائرات بمليارات الدولارات مهدّدة. هل ستمضى قطر قدماً بخططها لاستثمار 35 مليار دولار فى الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس المقبلة؟ هل سيعمد المستثمرون أصحاب المليارات إلى تصفية أصولهم هناك ونقل أموالهم إلى أسواق صديقة للمسلمين؟ لا بد من الإشارة إلى ما أوردته وزارة الخزانة الأمريكية أنه اعتباراً من الأول من يناير 2015، باتت البلدان المصدِّرة للنفط (بما فى ذلك الدول الإسلامية أو ذات الأكثرية المسلمة: إندونيسيا والبحرين وإيران والعراق والكويت وعُمان وقطر والسعودية والإمارات والجزائر وليبيا ونيجيريا) تملك سندات خزينة أمريكية بقيمة 290.8 مليار دولار.

فضلاً عن ذلك، أورد معهد أسبن أن "أربعة من أصل أول عشرة صناديق للثروات السيادية فى العالم فى العام 2015 تقع فى دول مجلس التعاون الخليجي" التى تدير أكثر من 2.28 تريليون دولار أمريكى "موجَّهة تاريخياً نحو أمريكا الشمالية وأوروبا".

ترى هل سيفرض ترامب فى حال وصوله إلى الرئاسة، الحظر أيضاً على الدبلوماسيين المسلمين؟ فى هذه الحالة، سيتم إغلاق السفارات والقنصليات والمراكز الثقافية العائدة لأكثر من 30 بلداً ذا أكثرية مسلمة، مع العلم بأن عددا هذه المنشآت الثقافية يفوق الـ108 فى مختلف أنحاء البلاد. يشكّل الدبلوماسيون والموظفون الآخرون الذين يحملون جنسيات بلدانهم نحو خمسة فى المئة من العاملين فى البعثات الأجنبية؛ أما الباقون فهم مواطنون أمريكيون يتم توظيفهم محلياً. فى هذه الحالة، سيخسر آلاف الأمريكيين وظائفهم. كما أن المطاعم وشركات المأكولات وشركات تأجير السيارات والفنادق والمجمعات السكنية حيث تقع تلك السفارات والقنصليات، سوف تتكبّد خسائر.

الأهم من ذلك، لن يتمكّن رؤساء الدول ووزراء الخارجية والسفراء المسلمون من حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أو المؤتمرات الدولية التى تُنظَّم على الأراضى الأمريكية، ما يهدّد السلام العالمى والدور الأمريكى الريادى فى الشئون العالمية.

لا ترامب ولا كروز فكّر ملياً فى التداعيات التى يمكن أن تترتّب على بلادهم جراء منع المسلمين من دخولها، مثل حالات الإفلاس المحتملة والخسائر الوظيفية ناهيك عن الارتجاجات التى ستعصف حكماً بالقطاع المالى والبورصات، حتى لو افترضنا أن الدول الإسلامية امتنعت عن اتخاذ تدابير انتقامية.

لا عجب فى أن وحدة الاستخبارات فى مجموعة الإيكونوميست صنّفت رئاسة ترامب فى مرتبة متقدّمة ضمن قائمة "أول عشرة مخاطر عالمية"، معتبرةً أنها أشد خطراً من انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى أو من وقوع صدام كبير فى بحر جنوب الصين! يوازى ترامب تهديد الإرهاب الصاعد لناحية مستوى الخطر الذى يشكّله على الاقتصاد العالمي. يا لها من مفارقة!!! لكنْ ثمة أمر لا جدال فيه. من شأن حظر المسلمين من دخول الولايات المتحدة أن يسدّد ضربة قاصمة للاقتصاد الأمريكى الذى سيخسر مئات مليارات الدولارات سنوياً فى قطاعات الطيران والمواصلات والفنادق، وفى الاستثمارات والعقارات وتجارة التجزئة والجامعات والقطاع الطبي، وفى صفقات الأسلحة والصادرات، ناهيك عن أن الصناديق السيادية قد تسعى إلى الاستثمار فى أماكن أكثر مؤاتاة، كما أن الشركات الإسلامية والمسلمين الأثرياء سيعمدون إلى سحب ودائعهم من المصارف الأمريكية.

هذا السلوك سيكون جنونياً من جانب الولايات المتحدة، لا سيما وأن الخسائر التى ستتكبّدها هذه الأخيرة سوف تعود بالمكاسب على أطراف أخرى. فأنا على يقين من أن المؤسسات المالية والمصنّعين والشركات فى أوروبا سوف يضحكون كثيراً فى سرّهم ويحققون منافع جمة.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;