قالوا اليأس إحدى الراحتين! ولكنى لا أطيق اليأس أو إنى لا أحب الراحة!! فلن أيأس من متابعة حديثى علنا نتجاوز الحناجر ونبلغ القلوب، قال تعالى" لا إكراه فى الدين" وقال "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر" وقال "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"، وقال "فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى" صدق الله العظيم ، لم يكلف الله فى كتابه العزيز أحداً بحساب الناس على عقائدهم هو وحده يتولى حسابهم يوم القيامة .
أريد أن أسجل أولا أنى لا تهمنى "ناعوت" هذه من قريب أو بعيد ولا أحرص عليها ككاتبة ولم أجد فيها أبداً ما يستحق عناء المتابعة أو عناء القراءة، فأنا أفضل أن أستثمر وقتى فى شىء أكثر فائدة ومع كتاب آخرين أكثر علماً، ولذلك لم أحرص على متابعة ما تكتب أو ما تقول ولا أركز معها من الأساس فمثلها كثيرون ممن لا قيمة لهم ولا يقولون شيئا له وزنا.
وأحب أان أسجل أيضا أنى لم أتعاطف مطلقاً مع كلام ناعوت الفارغ وفكرها العقيم الذى طرحته فى عيد الأضحى قبل الماضى والذى هو تكرار ممجوج ومقتبس فى غير ابتكار وغير ذات قيمة سبقها إليه كثيرون مثل الممثلة الفرنسية بريچيت باردو واهمل فمات معهم أو ماتوا معه؛ وهو أننا نحن المسلمين نقيم أكبر مذبحة فى التاريخ فى عيد الأضحى المبارك يروح ضحيتها ملايين الخراف المسكينة وفاءً لكابوس رآه رجل صالح (تعنى نبى الله إبراهيم عليه السلام)!! وأنها هى ستكتفى بسلطة السيزر "المكونة من الخس ولحم الدجاج" وكأن ذبح دجاجة يختلف عن ذبح كبش أو عن ذبح الأعداد التى لا حصر لها من الديوك الرومية فى احتفالات عيد الميلاد فى بلاد الغرب أو فى عيد الشكر فى أمريكا؛ كلام أجوف مفرغ من المعانى ذلك لأننا لا يهمنا فى البداية ماذا ستأكل ناعوت ولأنه فى النهاية على سبيل لفت النظر وليس على سبيل التعاطف مع الخراف قد نسيت أو تناسيت ان كان من باب أولى عليها أن تتعاطف مع شعوب فقيرة يدفع أغنياؤها بالأضحية لإطعام فقرائها مرة فى كل عام وأننا لسنا شعوبا تقدم اللحوم على موائدها كل يوم فى طعام الإفطار، كما فى باقى الوجبات على الطريقة الإنجليزية وأن منا من لا يدخل جوفه اللحم إلا فى هذا العيد من أضاحى أهل الخير والجود! ثم أين من ناعوت مذابح الخنازير التى يأكلها الغرب بشراهة وتقدم لحومها كفواتح شهية وتوضع شحومها فى الدواء وحلوى الأطفال والشموع ومستحضرات التجميل... إلخ إلخ.
باختصار فى عرفى ناعوت دعية طالبة شهرة وقد نالت ما طلبت بما لا تستحق وبما خلع عليها المجتمع والقانون المصرى دون أن يدرى من بطولة ستحيا عليها وبها وتجنى ثمارها ما بقى لها من عمر بعيداً عن بلاد "تقمع الرأى" هجرتها إلى بلاد "تعرف الحرية" فلا أظن ناعوت التى لم يكن يهتم بها أحد أضيرت بهذا الحكم، على العكس هى من ربح فى هذا السجال فلقد رفعتم قدر ناعوت باختصامكم إياها على تفاهة فكرتها وسطحيتها فكلامها؛ على خلاف البحيرى؛ دون مستوى أى مناقشة دينية وما قالت لم يكن ليستحق التوقف عنده وكان الأفضل أن نهجر هذا الحديث، كما قال عمر بن الخطاب "إن لله عبادا يميتون الباطل بهجره" أو كما يقولونها أحيانا "أميتوا الباطل بالسكوت عنه" لو تركتموها وما تقول لأهملها الناس وما تقول ولكانت وكلماتها التى تخشون أن تبدل عقيدتنا نسياً منسيا ولمات ذكرها ولكنكم صنعتم منها بطلة سيتهافت عليها الإعلام العالمى وربما وجد فيها الغرب ضالته ليضرب ديننا وقتها ضربة جادة كما يحب دائما وربما كرمها ومنحها "نوبل" وربما أصبحت أفكارها وكتاباتها مطلوبة ومقروءة فى كل الدنيا فهنيئا لناعوت بما لم تكن تحلم به! والنهاية نقول لناعوت وغيرها "كل نفسٍ بما كسبت رهينة".
الحكم على ناعوت بالسجن ثلاث سنوات ومن قبلها البحيرى (مع الفارق الكبير بينهما) والأطفال المسيحيين وكل حالة غير الأخرى ولكل موضوعه، لكن فى النهاية كلهم بتهمة ازدراء الأديان والبقية تأتى لكل من يتكلم فى ثوابت الدين!! ولست فى حاجة لأن أذكر أننا نحن المسلمين لسنا الدين الوحيد فى الدنيا ولسنا الدين الوحيد فى مصر وأن لكل دين ثوابت عند معتنقيه، وقطعاً السؤال الذى يطرح نفسه الحكم فى مصر الذى يخص المساس بثوابت الدين يعنى ثوابت أى دين من الأديان الموجودة فى مصر؟ وخصوصاً وثوابت كل دين منهم تستلزم التكذيب بثوابت الدين الآخر؟؟ ولكن بالصدفة البحتة أن ما قالت ناعوت عن رؤيا نبى الله إبراهيم يعتقد فيها كما يعتقد فى إبراهيم عليه السلام أربعة مليارات نسمة على مستوى العالم، وكذا سكان المحروسة الذين يتبع أغلبهم الديانات الإبراهيمية، غير أن اليهود والمسيحيين يعتقدون أن الذبيح إسحاق ونحن المسلمين نعتقد أن الذبيح إاسماعيل، لم ولن ينتفض لذلك أحدٌ لأن أحدا لن يرى أن هذا يهدد عقيدته أو يؤثر فيها غيرنا نحن المسلمين وكأننا وحدنا ذوى العقيدة الهشة، ولذلك ديننا يناصب حتى التافهين العداء ويضعهم موضع الخصم منه!
ورغم أن فى هذه المرة الكلام يعنى المسيحيين والعشرة اليهود الذين مازالوا يعيشون على أرض مصر، إلا أن إدانة ناعوت لم تكن بسبب هؤلاء طبعاً لأن الثوابت فى مصر هى ثوابت المسلمين السنة لأنهم الأغلبية! بينما لو كنا فى وضع آخر أو مكان آخر ذى أغلبية بهائية مثلاً أو أزيدية أو حتى شيعية، لاعتبرت ثوابتهم هم هى ثوابت الدين ولاعتبرت ثوابتنا نحن المسلمين السنة ليست من الثوابت! ترى ماذا يكون حال المسلمين وقتها لو طبق مثل هذا القانون فى بلاد الغرب أو فى السند أو الهند أو بلاد تركب الأفيال! ترى هل كانوا يحظرون علينا الجهر بثوابتنا لأنها تناقض ثوابت الأغلبية؟ هل يجوز ألا نؤذن للصلاة فى ألمانيا مثلاً قائلين لا إله إلا الله محمد رسول الله، لكى لا نكون قد أنكرنا عقيدة التثليث الثابتة عند المسيحيين أو محظور علينا قراءة الفاتحة أو سورة الإخلاص فى الركعات الجهرية يسمعها غير المسلم لأن ثوابتها تهدم ثوابتهم !!
فرض صدام فى العراق على الشيعة؛ رغم اختلافى معهم طبعا؛ أن يكفوا عن سب الخلفاء أبى بكر وعمر وابنتيهما وهذا من ثوابت الشيعة ومنعهم كذلك من الاحتفال بذكرى عاشوراء على طريقتهم، وأكرر أنى لا أقر كل هذا من الشيعة، لكن تلك عقيدتهم ومنعهم لم يغيرها ولم يغير قناعاتهم ولو جاء ذلك بالحوار لكان هناك أمل فى وجود نقاط التقاء وهذا مثال لفرض الأقوى ثقافته فى الثوابت على الأضعف، وكذلك ما حدث فى مصر لحسن شحاتة شيخ الطائفة الشيعية على يد المسلمين السنة تكتلوا عليه وسحلوه وقتلوه ومثلوا به لأنه يؤدى شعائر ملته وهم لا تعجبهم ثوابت ملته كنتيجة حتمية لثقافة استقواء الأغلبية بثوابتها على ثوابت الغير، ولنا فيما حدث لمروة الشربينى شهيدة الحجاب مثال آخر قتلها متطرف ألمانى فى ساحة المحاكمة، لأن ثوابتها لا تعجبه وتختلف مع ثوابت الأغلبية فى بلاده !! التاريخ ملىء بأمثلة "شهداء ثوابت الأغلبية على الأقلية " !
بعيدا عن ناعوت التى أؤكد أنها لا تهمنى كشخص وأنى لا أقر ما قالت ولكنها حرة فيما تعتقد، فكل نفسٍ بما كسبت رهينة ولكنى لا أقر سجن أحدٍ لمجرد كلام وكان إهماله خير علاج ولا أن يقال المسلمون يسجنون من ينطق ببنت شفة مخافة تبديل عقيدتهم التى فى مهب الريح، وعلى ذلك أؤكد أنها هى المستفيدة من كل ما حدث بسبب الطريقة التى تعاملنا بها مع كلامها الأجوف فصنعنا منها بطلة وصاحبة رأى.
ولكن يراودنى سؤالٌ حقيقى لمن عنده الإجابة، هل ينبغى لمسلمى مصر فرض ثوابتهم على مختلفى العقيدة مختلفى الثوابت لأنهم الأقلية؟
• أستاذ بطب قصر العينى