الفتاوى السلفية المتطرفة تهب علينا بين الحين والآخر، ليس لمناقشة أمر يخص مشاكل الناس أو تجديد الخطاب الدينى، أو السعى نحو فهم حقيقى للأحكام والعلل التى جاءت بها الفرائض، إنما لخلافات شكلية، لا تنبت كلأ ولا عشبا، وتشتت الناس وتضللهم فى وقت نحن فيه أحوج إلى فهم واع وإعمال للعقل.
المعركة القديمة الحديثة اشتعلت منذ يومين تقريبا بعدما أعلنت دار الإفتاء المصرية النصاب الشرعى لزكاة الفطر هذا العام، وحددته بمبلغ 13 جنيها عن الفرد الواحد، وقد تم الاتفاق على تقدير هذه القيمة بالتنسيق مع مجمع البحوث الإسلامية.
وأوضحت الإفتاء أن مقدار زكاة الفطر هو صاع من غالب قوت البلد، ولا يجزئ إخراج أقل من ذلك " 13 جنيها"، وإذا كان غالب قوت أهل مصر هو القمح أو الدقيق، فإن زكاة الفطر تعادل 2.5 كليو جرام من الحبوب عن كل فرد، وفقًا لأقل أنواع الحبوب فى السعر، وهو القمح، ومن زاد عن ذلك يثاب المؤمن عليه.
وذكرت الدار أنه فيما يتعلق بإخراج زكاة الفطر نقدًا، فإن ذلك يجوز تيسيرا على الناس وسدا لحاجاتهم باعتبارهم أكثر دراية باحتياجاتهم الشخصية، أما عن توقيت إخراجها أوضحت الدار أنه يجوز إخراج زكاة الفطر أثناء شهر رمضان، كما أنه يستحب أيضًا إخراجها قبل صلاة العيد، ويكره تأخيرها عن صلاة العيد، كما تجب زكاة الفطر على كل مسلم بالغ عاقل عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من: (أولاده الصغار، والكبار الذين هم تحت ولايته، والزوجة، والوالدين الفقيرين)، وتُصرف هذه الزكاة لفقراء المسلمين ممن لا تجب على المزكي نفقتهم .
هذه النصوص والحجج التى ساقتها دار الإفتاء المصرية، التى هى أمينة على الفتوى والمرجع الأساسى للمسلمين فى مصر، إلا أن " شلة " مشايخ السلفية الذين يحفظون دون أن يفهموا ويصيحون ليل نهار على وسائل التواصل الاجتماعى بأنه لا يجوز إخراج الزكاة إلا طعاما أو حبوبا، كما كان الحال فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يسألون أنفسهم كيف كانت الدولة فى عهد الرسول وكم جرى من تطور على مدار أكثر من 1440 عام مضت، تغيرت فيها مظاهر الحياة، وتطور كل شىء، فلم تعد الدواب وسيلة السفر ، بل بات لدينا طائرات وسفن وسيارات، وكذلك الحال لم يعد أهل المدن يزرعون القمح أو الشعير أو الأرز أو التمر أو الزبيب، فكيف يخرجون زكاتهم؟!
السؤال الآن هو ما فائدة القياس فى الفقه كقاعدة إن كنا ننحيه جانبا، وما فائدته إذا كان لا ينفع الناس؟، فالزكاة لم تأت إلا لتنفع الناس وتقلل معاناة الفقير والمحتاج، فليس منطقيا أن نوزع على جار فقير 2.5 كيلو جرام من القمح أو الشعير أو التمر !! فماذا يفعل بهم فى يومنا هذا ؟ إلا أنه يمكنه أن يشترى شيئا لو قدمت له هذه القيمة نقودا، وتركت له حرية الاختيار فيما ينفقها، فربما لديه حاجة أقوى من الطعام والشراب كالدواء أو الكساء.
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، هكذا علمنا البنى صلى الله عليه وسلم، وعلى متشددى السلفية أن يعقلوا ما يقولوا ويراجعوا ما حفظوا دون فهم أو تدبر، وألا يشوهوا روح الدين التى هى أكثر سماحة ورشدا منهم.