كثيرا منهن ينتظرن هذا الشهر بفارغ الصبر كل عام، فهو بمثابة الانفراجة لغالبيتهن، فى مايو تعلن كافة محافظات الجمهورية عن انطلاق موسم حصاد القمح، فيسارع للأراضى الزراعية الكبير والصغير، وأغلبهن من النساء اللائى يعولن أسرهن لأسباب مختلفة.
يبتسمن أمام عدسات الكاميرا، تتوسط صورهن صفحات الجرائد والمواقع الإخبارية أثناء إعلان المسئولين عن نسبه توريد القمح والتى ارتفعت بشكل ملحوظ هذا العام.. ولكن هناك قصة خفية خلف تلك الابتسامة لابد أن تروى.
قصة تحكى مدى معاناة هؤلاء النسوة فى الحصول على لقمة العيش، وخروجهن من بيوتهن مع شروق الشمس، فى رحلة لا يعلمن هل سيعدن منها سالمين أم لا، وذلك نظير خمسين جنيها فى اليوم الواحد.
نساء "تل القاضى" نموذجا، فتلك القرية البسيطة التابعة لمركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية، تعمل غالبية نسائها وعددهن 2048 من 4110 مواطن وفقا لتقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء – فى مجال العمالة الموسمية، يخرجن فى شهور معينة سنويا للعمل فى الأراضى الزراعية المجاورة نظير بضعة جنيهات لمساعدة ازواجهن العاطلين عن العمل وقضاء احتياجاتهن اليومية غير عابئين بكم المخاطر المحدقة بهن والتى قد تصل الى حد الوفاة كما حدث مع عدد منهن فى شهر سبتمبر من العام الماضى، عندما انقلب أحد الجرارات التى كانت تقلهن لجنى محصول القطن فى الترعة، وتوفى منهن 5 مزارعات وأصيب 7 سيدات.
تفاصيل تلك الرحلة الخطرة التى تتشابه مع نساء الكثير من القرى فى محافظات مصر المختلفة ، تبدأ فى مساء اليوم السابق لبدء موسم الحصاد .. عندما يمر "مقاول الأنفار" بالإتفاق مع صاحب الأرض على مجموعة من البيوت ليقنع نساءها بالخروج للجمع، فيستجبن لعدم وجود بديل يوفر لهن لقمة العيش فى تلك القرية المتواضعة .. يذهبن فى ساعات الصباح الأولى على ظهر سيارات نصف نقل أو جرارات متهالكة، وأثناء الطريق لا تجد النساء شيئا سوى نطق الشهادة حتى الوصول إلى الأرض المختارة.
ممرات وطرق غير ممهدة يقطعها السائق للوصول قد تنذر بوقوع حادثة فى أى لحظة، يحاول النساء خلالها أن يتغلبن على لحظات الخوف بالدخول فى نقاش أو وصلات رقص وتصفيق فرحة فى انتظار اليومية التى يتحصلن عليها مع غروب الشمس.
ولكن محاولات الهروب البائسة تلك، لم تمنع غالبيتهن من التعبير عن أحلامهن فى توفير مصدر رزق آمن داخل قريتهن، يغنيهن عن ترك أطفالهن والخروج كل صباح، على سبيل المثال مصنع مشغولات يدوية يلتف حوله نساء القرية، ينتجن منه ويبدعن فيه.
وفى حقيقة الأمر إن كان لا غنى عن دور المرأة الريفية فى عمليات الحصاد، فهناك خياران لا ثالث لهما الأول: أن تقوم الوحدات المحلية وأصحاب الأراضى نفسها، بتوفير وسائل نقل آمنة لهن لكى لا يضطررن للتكدس فيها أو التدافع عليها، ووسائل مجهزة خصيصا للسير فى تلك الطرق غير المستوية مع توفير ضمانه وتأمينات اجتماعية لهن ايضا، والثانى أن يهتم أى من نواب البرلمان فى تلك المحافظة بتحقيق حلم هؤلاء النساء فى إقامة مصنع يجمعهن ويوفر لهن فرصة كريمة للعيش.. وأعتقد أنه حلم مشروع وبسيط وسهل التحقق.