تعالوا نتفق على أن كل علماء وخبراء ودارسى علم المصريات «Egyptology»، وهو أحد فروع علم الآثار، ويختص بدراسة تاريخ مصر القديمة، ولغتها وآدابها ودياناتها وفنونها، يؤكدون أن هناك شوائب لا حصر لها ألصقت بالحضارة المصرية القديمة، من خرافات وخزعبلات، ما أنزل الله بها من سلطان.
وللأسف أن أبطال إلصاق هذه الخزعبلات والخرافات، من نصبوا أنفسهم مثقفين، وكتابا كبار، ومن بينهم الراحل الكبير أنيس منصور، الذى حاول جاهدا إثبات أن هناك تمثالا لـ«أبوالهول»، وهرم فى المريخ، متناسيا أن ترديد مثل هذه الأقاويل كارثة حقيقية على سمعة الحضارة المصرية، فلا العلم ولا المنطق والعقل يقبل أن تكون هناك نسخة مكررة من الأهرامات وأبوالهول فى كوكب المريخ، لأن الأمر ببساطة، استحالة صعود الفراعنة للقمر والمريخ..!!
إذن التجويد، وإضفاء «العملقة» والإتيان بالخوارق، على المصريين القدماء، كارثة، وعبث، أضرارها خطيرة وكارثية، لأن عظمة الحضارة المصرية، تكمن فى أن تأسيسها جاء بسواعد أبنائها من «البنى آدمين الطبيعيين»، وأن تميزهم يتمثل فى العلم والقدرة على التفكير والابتكار، فأسسوا هذه الحضارة التى بددت ظلام الجهل، والتخلف ليس فى مصر فقط، ولكن فى العالم القديم بأثره..!!
ومن بين ما ألصق من خرافات والخزعبلات ما يردده البعض، سواء من الباحثين فى علم الأديان، أو الذين قرأوا بعضا من الكتب عن التاريخ والحضارة الفرعونية، أن «أوزوريس» رمز الخير والنماء فى أسطورة«إيزيس وأوزوريس»، ربما يكون النبى إدريس، تأسيسا على تقارب حروف الاسمين، «أوزوريس- إدريس» وهو استناد عجيب وغريب ولا يمت للعلم بأى صلة.
المدهش، ما توصل إليه الخبراء بأن اسم النبى إدريس، يشهد تباينا بين الأديان والحضارات المختلفة، لكن هناك اتفاقا حول طبيعة الدور المؤثر الذى لعبته «الشخصية» عبر التاريخ الإنسانى ما جعله مخلدا بصرف النظر عن الاسم الحقيقى لهذا النبى الحكيم، فهو هرمس الهرامسة، الشخصية الأسطورية التى يُنسب إليه كتاب «متون هرمس» عند الإغريق.. وأوزوريس عند قدماء المصريين.. وأخنوخ فى الإنجيل والتوراة.. وإدريس عليه السلام فى القران الكريم.
ويؤكد المؤرخون فى علم الأديان، أن النبى أدريس ربما يعود نسبه إلى أمة «السريان» أقدم الأمم، التى كانت تدين بالصابئة، واتخذ اسم «دنانوخ» الوارد ذكره فى كتاب الصابئة المقدس، وهى ديانة الله الأولى التى أنزلت على نبيه ورسوله آدم ولهم كتابهم المنزل الذى يسمى «جنزاربا» أى الكنز العظيم، ويعتبر النبى «دنانوخ إدريس» رابع أنبياء الصابئة.
إذن، دور النبى «إدريس» الذى يتخذ من الأسماء المختلفة فى الحضارات القديمة المختلفة، مهما ومحوريا كشخصية «خير ونماء وحكيمة»، ولذلك استوحاها المصرى القديم فى أسطورته، القائمة على صراع الخير المتمثل فى أوزوريس وزوجته إيزيس، وابنهما فيما بعد «حورس، وصراع الشر بين ست وزوجته نفتيس».
إيزيس وأوزوريس هى القصة الأكثر تفصيلًا وتأثيرًا ضمن الأساطير المصرية القديمة، التى تدور حول قيام «ست» بقتل شقيقه «أوزوريس» فرعون مصر، للوصول إلى عرش مصر، ونجح فى ذلك وقطع جثته أجزاء، ونثرها فى أقاليم مصر المختلفة، إلا أن إيزيس، ضربت أروع الأمثلة فى الوفاء والقدرة على المواجهة، فاستطاعت جمع أجزاء جثة زوجها وتمكنت «بالسحر» من الحمل منه وإنجاب طفلها «حورس» الذى بدأ فى حربه ضد عمه لاستعادة عرش ومٌلك والده، وبعد صراع وحروبمريرة، فقد فيها حورس عينه، تمكن من الانتصار على الشر واستعاد مُلك والده..!!
إذن كيف لبطل أسطور أن يصبح نبيا..؟! الأهم أن طبيعة ودور شخصية النبى إدريس فى نثر الخير والنماء ومحاربة الشر، متكررة فى كل الحضارات، ولكن بأسماء مختلفة..!!
وللحديث بقية إن شاء الله.. إن كان فى العمر بقية.