هل تتخلى دول الخليج عن الاقتصاد البترولى؟.. أمامنا الآن نموذجان فى دول الخليج يخططان لتقليل الاعتماد على الاقتصاد البترولى، والبحث عن بدائل اقتصادية تؤمن مستقبلهما، أو بمعنى آخر السعى لبناء اقتصاد جديد قوى لا يعتمد على الذهب الأسود الذى يتسم بالتقلب فى الأسعار والإنتاج أيضًا، مع اتخاذ النرويج نموذجًا بعدما قررت تسريع تطبيق خطط تضمن إنهاء اعتمادها على خام البترول، رغم أن النرويج تعد أكبر دولة مصدرة للبترول فى أوروبا، كما أنها تحتفظ باقتصاد يعتمد على البترول بشكل أساسى كونه يسهم بخمس ناتجها المحلى.
الدولة الخليجية الأولى كانت الإمارات التى قالت منذ ثلاثة أشهر تقريبا إنها ستطلق استراتيجية ما بعد البترول، وقال وقتها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولى عهد أبوظبى: «نسعى إلى أن تكون الإمارات نموذجا لدولة نجحت فى تحويل اقتصادها من الاعتماد على الموارد الطبيعية إلى الاعتماد على مهارات وعقول أبنائها، وهم رهاننا لمستقبل زاهر»، مؤكدًا على أن «التحول إلى ما بعد النفط نقطة تحول فى تاريخنا كإماراتيين، والنجاح فى هذا التحول هو الخيار الوحيد»، كما قال الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبى، إنه وجه بإطلاق استراتيجية متكاملة لإمارات ما بعد البترول، والإسراع فى الإعلان عنها خلال الفترة المقبلة، مع الإشارة إلى أن الاستراتيجية ستكون بمثابة إطار عام للأفكار والمبادرات التى من شأنها تنويع الاقتصاد الإماراتى وتحقيق توازن بين قطاعاته، وبما يضمن استدامته للأجيال المقبلة، مؤكدًا أن الإمارات ستحتفل بتصدير آخر برميل من النفط، فى إشارة إلى تخلص اعتماد اقتصادها على البترول.
والأسبوع الماضى كشف الأمير محمد بن سلمان ولى ولى العهد السعودى، أن لدى المملكة خططًا اقتصادية عملاقة لما بعد عصر البترول بتمويلات تصل قيمتها إلى تريليونى دولار أمريكى، وهو ما يعنى أن الاقتصاد السعودى سوف يواصل التقليل من الاعتماد على إنتاج البترول خلال السنوات المقبلة، بما يجعل المملكة بعيدة عن أى أزمات قد تنتج عن انهيار البترول أو ظهور بدائل للطاقة عنه فى العالم.
وبحسب التصريحات التى نقلتها وكالة «بلومبرج» الأمريكية عن الأمير محمد بن سلمان، فإن الصندوق السيادى السعودى الذى يوصف بأنه أكبر صندوق للثروة السيادية فى العالم سيخصص مبالغ عملاقة لمشروعات ستستفيد منها الأجيال المقبلة فى عصر ما بعد البترول، كما سيشمل بيع ما يصل إلى %5 من أسهم شركة النفط السعودية «أرامكو»، بقوله إن «الطرح العام الأولى لأرامكو وتحويل أسهمها إلى صندوق للاستثمارات العامة، سيجعلان الاستثمارات من الناحية الفنية مصدرًا لإيرادات الحكومة السعودية وليس البترول»، وسيكون للصندوق وفقًا للخطة السعودية القدرة المالية على شراء شركات آبل، وشركة آلفابت وهى الشركة الأم التى تملك محرك البحث جوجل، ومايكروسوفت، وبركشير هاثواى، وهى أكبر أربع شركات مفتوحة للتعامل العام فى العالم.
ما تخطط له الإمارات والسعودية يبدو أنه سيفتح شهية بقية الدول البترولية الأخرى فى المنطقة وربما فى العالم للبحث عن بدائل اقتصادية للبترول، خاصة فى ظل عدم الثبات فى أسعاره، بل الانخفاض المتتالى الذى أضر باقتصاد دول كانت ولا تزال تعتمد على البترول بشكل كبير، مثلما حدث فى روسيا التى تأثرت عملتها «الروبل» من انخفاض أسعار البترول، لكن السؤال الآن، هل بقية الدول لديها الإمكانيات التى تؤهلها لإيجاد البديل لاقتصاد البترول كما استطاعت السعودية والإمارات إيجاد البديل؟.. بالتأكيد كل دولة ولها ظروفها ووضعها الاقتصادى ولا يمكن الجزم بأن تجربة السعودية والإمارات، ومن قبلهما النرويج، يمكن تطبيقها فى فنزويلا أو إيران أو روسيا، لكن الشىء الوحيد المؤكد أن البحث عن بديل اقتصادى أصبح ضرورة الآن، فى ظل ظهور بدائل للطاقة واعتماد دول كانت فى الماضى أكبر مستورد للبترول على إنتاجها الداخلى مثل الولايات المتحدة التى تعتمد ذاتيًا على البترول.