إعلانات "كشف عورات الناس"

مع إطلالة أول أيام شهر رمضان الكريم، امتلأت شاشات التليفزيون بتلك النوعية من الإعلانات التى يتفنن أصحابها فى إقناع المشاهدين بالتبرع لهذه المؤسسة أو تلك، وهذا بالطبع شىء مستحب ولا غبار عليه، خاصة أن هذا الشهر الفضيل يتسم بالكرم والبر والإحسان، حيث تكثر فيه الطاعات وعمل الخير، وذلك تصديقاً لما جاء فى النصوص الشرعية التى تحثنا على عمل الخير والدعوة إليه، وحث الناس على التسابق والمسارعة في مساعدة الآخرين، فقد جاء فى قول الله عز وجل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" وأيضا فى قولِه جل شأنه : "فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَات" أي بادروا بفعل الخيرات وسارعوا إليها . إلى هنا فإن هذا الأمر يبدو طبيعياً، وأن ظهور تلك النوعية من الإعلانات التى تحث الناس على فعل الخير شيئاً محموداً، ولكن المؤسف حقاً أن يتحول شهر رمضان بالتدريج وشيئاً فشيئاً إلى سوق للتجارة بعواطف ومشاعر الناس، أو ما يشبه مباراة كبيرة يستعرض فيها ومن خلالها كل طرف قدراته العجيبة فى الترويج لعمل الخير وذلك باستخدام أنواع واشكال مختلفة من وسائل الترويج، ولفت الانتباه، وبالطبع فإننا فى تلك الحالة نفقد أهم وأبرز شىء فى مجال عمل الخير، وهو أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى، خاصة أن عدداً ليس قليلا من تلك الإعلانات التى امتلأت بها شاشات التليفزيون يكون الهدف منها، هو كسب ثقة المواطنين والتأثير عليه باستخدام معاناة وأوجاع وآلام المرضى والمحتاجين، حتى يقوم المواطن باختيار تلك الجهة الخيرية التى تقف وراء الإعلان والتى تصرف الملايين من أجل تنفيذ هذه الحملات الإعلانية، وبالطبع فإن هذا الإنفاق الكبير على الإعلانات يجعل تلك الجهات تحاول بشتى الطرق تعويض ما أنفقته من مبالغ ضخمة صرفتها على هذه الإعلانات فى مختلف وسائل الإعلام، وليت الأمر يتوقف عند حد الحصول على ما تم إنفاقه وحسب، بل إنها فى حالة نجاحها فى الوصول إلى المشاهد فإنها تحصل على أضعاف أضعاف المبلغ فنصبح فى نهاية الأمر أمام نوع من انواع التجارة وهى تجارة تختفى وراء عمل الخير وتخضع لاعتبارات العرض والطلب وبالطبع يكون فيها البقاء للاقوى وللاذكى الذى يمتلك الادوات التى تجعله قادر على جذب الناس واقناعهم بالتبرع لهذا المستشفى او لتلك المؤسسة الخيرية او تلك الجمعية التى ترعى الأيتام. كما قلت من قبل فأنا لست ضد عمل الخير ولا أهاجم تلك الإعلانات التى تحض على عمل الخير بشكل صحيح وتحث الناس عليه وتوضح طرق عمل الخير والاماكن المستحب التصدق لها ومساعدتها. ولكن الأمر بالنسبة لى مختلف تماماً وهو أننى اعترض على ما تقوم به بعض الجهات التى تصف نفسها إنها خيرية وانسانية ونجدها تتاجر باوجاع وآلام البسطاء واستغلال بعض الحالات التى تكون بالفعل فى حاجة إلى مساعدة لتستجدى المواطنين وتطالبهم بالتبرع لهؤلاء فيتحول الاعلان الى ما يشبه التسول ومد اليد بشكل مبتذل ورخيص ويثير الاشمئزاز فى كثير من الأحيان فقد نهت كافة الاديان السماوية هذا النوع من استغلال حاجه الناس فحتى هؤلاء الذين يكونون فى أشد الحاجة الى المساعدة يتعاملون مع الأمر بع نفس ويتعففون عن سؤال الغير واتذكر فى هذا الصدد قول المولى عز وجل ( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) فبأى منطق تظهر تلك النوعية من الإعلانات على هذا النحو من الكثافة لتستغل معاناة وآلام الناس فى الترويج لجمع التبرعات من القادرين .. ولماذا يتم ترك هذا المجال "سداح مداح" دون أن تكون هناك رقابة من الجهات المعنية حتى يتم "فلترة" المحتوى الإعلانى قبل عرضه على الشاشات أو فى وسائل الإعلام الاخرى، وذلك قبل التصريح بعرض هذا الإعلان أو ذاك، بحيث تصبح الموافقة فقط للإعلان الذى يراعى قواعد وأسس الدعوة للتصدق ويلتزم بآداب حث الناس على عمل الخير دون اسفاف وبعيداً عن اشكال التسول الرخيص أو استغلال الأطفال أو أى نوع من أنواع التأثير على مشاعر الناس واللعب على الوتر الحساس.. فما يحدث الآن فى كثير من الإعلانات التى تدعو للتصدق وعمل الخير ما هو إلا نوع من أنواع "كشف عورات الناس".



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;