هناك فارق بين البحث عن مقصد سياحى وبين البحث عن مقصد للتجارة أو للاستثمار خارج الوطن. والفارق بين الحالتين لا يحتاج الى كثير من ايضاح بالطبع. فالمقصد السياحى هو هدف للزيارة والمتعة على اختلاف أنواعها من التسوق الى الاستجمام وغيرهما والانفاق ما شئنا كل فى حدود مقدرته ووفق مخططاته. ومقصد العمل والاستثمار يتعلق بسوق تحتاج الى قدراتنا والى ما نمتلكه من خبرات مميزة لنا مما قد يلزم هذه السوق وتتطلع اليه، ليتحقق الاشباع أو بعضه للسوق وتتحقق المنفعة لصاحب التجارة أو صاحب الاستثمار.
وقد ناقشنا فى المقالة الأولى بعضا من أساسيات البدابة لمن شاء بدء عمل أو تجارة ما فى دولة أفريقية. وأشرنا فى المقالة الأولى الى بعض السلبيات التى قد يصادفها المرء فى بعض الدول الأفريقية الصديقة أثناء رحلته للبحث عن فرص للتجارة أو الاستثمار المباشر. ومن المهم هنا ايضاح أن الاشارة الى أية حالة غير مواتية أو سلبية لا تعنى أبدا قصد الانتقاص من قدر أية دولة أو أية شعب أفريقى صديق، ولكن يقصد به فقط توجيه مواطنينا المصريين الراغبين فى التوجه الى الأسواق الأفريقية للعمل والاستثمار بديلا عن التوجه الى أوروبا أو الى الدول العربية وغيرها من المقاصد المعتادة توجيها سليما يساعدهم على الحياة والبقاء آمنين والحفاظ على أموالهم ومصالحهم خلال تواجدهم فى أية دولة أفريقية صديقة.
ضعف الخدمات فى بعض الدول لأفريقية قد يصادف بعضنا عند زيارتهم لتلك الدول الصديقة التى تحاول تجميع شتات قواها والوقوف على قدميها بين الدول فى هذا العالم الصعب. ولكن ضعف الخدمات ليس عيبا طوال الوقت، اذ لولاه لما وجد مستثمرون كثيرون فرصة للعمل ولتحقيق أرباح كبيرة. نعم، فضعف الامكانات وغياب التكنولوجيا والموارد البشرية المؤهلة المدربة فى مجتمعات أفريقية عديدة يتركها فى حاجة ماسة الى الاستثمار المباشر فى مجالات كثيرة قد تقترب من كل شىء أحيانا. ولا يمكن ألف مشروع فى آن واحد أو تدارك كل ما يحتاجه مجتمع ما فى آن واحد، لذا يلزم الجميع التحلى بالصبر والأناة عند الرغبة فى العمل فى سوق أفريقية، اذ تظل البلاد فى النهاية ملكا لأهلها ورهن تصرفهم واختياراتهم الوطنية، وليس ملكا للوافدين وتصوراتهم ولو كانت تصورات تعد بخير كثير. فخطوات العمل وأنفاس الحياة قد تستغرق وقتا طويلا لترى النور، ولا سبيل الى نهاية موفقة الا بالتحلى بالصبر والقناعة بأن التوقيت فى كل بلد هو توقيت البلد ذاته وحكومته وشعبه.
المجتمع الأفريقى مجتمع يعتز باصوله وثبواته الثقافية والعقائدية والفكرية والاجتماعية ويرتبط بها جميعا، ولو كان مجتمعا فقيرا، ولا يقبل المجتمع الأفريقى أن يتنازل عن شخصيته وعن وموروثاته – من طعامه الى ملبسه الى اسلوب تفكيره وطريقة حياته - من أجل شىء من المال أو من أجل أحد. وبالتالى، فالمجتمع الأفريقى ليس مجرد مجتمع فقير يحتاج الى النهوض من كبواته الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والعملية وغيرها ليصبح مجتمعا غربيا أو عربيا أو لاتينيا أو صينيا أو غيره، ولكن المجتمع الأفريقى يطمح الى الحصول على كل شىء ليبقى مجتمعا أفريقيا ذا خصوصية وطنية. ولكل بلد أفريقى طبعه وخصاله. ومن هنا، فان كل تقدم يمكن لمجتمع أفريقى ان يحرزه يستند الى الملكية الوطنية والى الطابع الوطنى لهذا التقدم. وعلى الوافدين من رجال الأعمال والمستثمرين قبول الاندماج فى هذا التيار وعدم التمرد عليه، وانما قبول احتضانه عن طيب خاطر، لأنه المسار السليم والأوحد والخيار الأفضل للجميع. فلا يمكن لأحد أن يصبح شيئا ما الا ما يريد هو أن يصبح عليه، ولو قدمت الدنيا اليه ما تملك.
وبالتالى، فانه من المهم أن يدرك رجل الأعمال أو صاحب التجارة المقدم على سوق افريقية مساره ودوره وما له وما عليه حيث يتجه ليضع قدمه. وكلما كان الاستثمار كبيرا وطويلا الأمد، كلما كان على المستثمرين الوافدين أن يتحلوا بالقدرة على تقبل الطبيعة الأفريقية للسوق ولنمط عملها ولريتم عملها أيضا أو سرعة خطوتها وميولها، ليسهل على الوافد تخطى الصعاب وعدم التعثر فى عقبات كثيرة، ولكى لا يمعن فى التصور أنه يمكنه احداث تغييرات درامية.