كتبت هنا الأسبوع الماضى عن المنافسة الظالمة التى تفرضها القنوات «المصر- خليجية» على القنوات المصرية الخاصة والعامة، وتلقيت ردود أفعال مشجعة من زملاء إعلاميين وباحثين وقراء من خارج الوسط الإعلامى، أكدوا أهمية هذا الموضوع المسكوت عنه، وقدموا مقترحات مهمة لدعم صناعة التليفزيون فى مصر، ومنع القنوات الخليجية من استخدام اسم مصر، وأنا أؤيد ذلك، وأوافق على مقترحات دعم القنوات المصرية، لكن لى وقفة مع القنوات الخاصة والتى لا يمكنها أن تنافس وتنجح إلا إذا طورت من نفسها.
لابد للقنوات الخاصة أن تطور من نفسها، لأنها ركزت على هزيمة تليفزيون الدولة، وقد نجحت فى ذلك بسهولة، لأنه يعانى منذ سنوات طويلة- وما يزال- من مشكلات إدارية ومالية وفنية هائلة، كما أن القنوات الخاصة استغلت كوادر تليفزيون الدولة وموارده فى هزيمته!!، وهى مفارقة غريبة، لكنها حدثت من قبل عندما استغل القطاع الخاص فى الثمانينيات شركات القطاع العام فى بناء قدراته والتفوق عليها.
القصد أن القنوات الخاصة بعد أن استحوذت على النسبة الأكبر من المشاهدة والإعلان فى السوق المصرية، بدا لها أنها قد انتصرت وأنها قادرة على استمرار النجاح، ونسيت أو تناست أن هناك تليفزيونات خاصة حكومية وعربية أكبر منها وأكثر خبرة وتمويلاً، تهيمن على سوق المشاهدة والإعلان عربياً، بما فى ذلك السوق المصرية، وبالتالى فإن أى نجاح للقنوات المصرية رهن بمنافسة هذه القنوات وليس بالانتصار على تليفزيون الدولة الضعيف أصلا.
رسالتى للقنوات الخاصة أن تنافس القنوات العربية الخليجية داخل وخارج مصر، فالأسواق العربية واعدة، وهناك طلب متزايد على خدمات التليفزيون، كما أن لدينا فى مصر موارد وإمكانيات تساعدنا على خوض هذه المنافسة وكسب الأسواق، شرط التخطيط العلمى الجيد، وابتكار أشكال ومضامين جديدة تلبى احتياجات المواطن العربى فى الخليج والمغرب العربى ووادى النيل.
والخطوة الأولى المطلوبة هى دراسة هذه الأسواق وتقديم ما يلبى احتياجات الجماهير العربية على اختلاف أعمارها واهتماماتها ومستوياتها التعليمية والطبقية، وهنا لابد من إقرار حقيقة أن صناعة التليفزيون فى مصر تخاصم البحوث العلمية ولا تنفق عليها ما يساوى الإنفاق على برنامج واحد للمنوعات تطلقه إحدى القنوات الخاصة، المعنى أن هناك حاجة ماسة لتمويل بحوث علمية حقيقية لخدمة صناعة التليفزيون من كل جوانبها.
وعلاوة على البحوث العلمية لابد من فصل الملكية عن الإدارة، لأن أحد أسباب خيبة القنوات المصرية أنها فى أغلبها مشروعات عائلية تدار بمنطق الهواة وبمنهج التجربة والخطأ والتقليد، وللأسف فإنهم عندما يقلدون لا ينظرون إلا للسوق المصرية، ويقلدون ما هو شائع ومنتشر فى القنوات المصرية مثل برامج التوك شو أو «الطبيخ» وكرة القدم.
لذلك أتمنى أن تبدأ قنواتنا المصرية الخاصة بتقليد القنوات الخليجية وتطلق قنوات للأفلام الأجنبية، وقناة للأفلام الهندية، وهى بالمناسبة قنوات غير مكلف، مقارنة بقنوات المنوعات أو قنوات بث مباريات كرة القدم. وأعتقد أن البدء بالتقليد سيؤدى إلى التجديد، خاصة إن هناك قنوات مصرية نجحت فى تقليد برامج المنوعات ومسابقات الغناء وأحرزت نجاحا ملحوظا، وطورت فى بعض هذه البرامج.
قناعتى أن هناك فرصاً واعدة، وعلى القنوات المصرية الخاصة والعامة أن تنافس على السوق العربية الكبيرة، وألا تحبس نفسها وفكرها فى السوق المصرية، ولنتذكر دائماً أن لنا حضوراً تاريخياً ممتداً فى الأسواق العربية.
أى أننا لن نبدأ من الصفر كما بدأت القنوات الخليجية، ولنتذكر أخيراً أن برامج التوك شو السياسية المصرية كانت تجد لها جمهوراً ومتابعة بين الجمهور العربى لأن الشأن المصرى هو شأن عربى بامتياز.
وربما تكون هذه البرامج السياسية الجادة والمتوازنة، إحدى المميزات التى تنفرد بها القنوات المصرية، والتى لن تستطيع القنوات الخليجية الخاصة منافستنا فيها.