مشهد جمهور نادى الزمالك فى مدرجات برج العرب خلال مواجهة نهضة بركان المغربى، وفرحتهم عقب حصد لقب الكونفيدرالية الإفريقية، لا يمكن نسيانه، لأنه يجسد فكرة الانتماء الحقيقى لمصر قبل النادى نفسه، فقد كانت الجماهير على قدر كبير من المسؤولية داخل المدرجات وأثناء تشجيعها للاعبين لبث روح الحماس لديهم من أجل حسم اللقب.
جمهور الزمالك لم يقصر يومًا ما فى الوقوف بجوار ناديها، حتى حينما كان ينزف فيه الفريق الكروى فى سنوات فائتة آلماً بسبب سوء النتائج وقلة البطولات مقارنة بالنادى الأهلى "الغريم التقليدى"، فكنا دائمًا نرى الجماهير البيضاء تؤازر الفريق بلا توقف أو عزوف، فهى حقا جماهير وفية عاشقة لناديها حتى "النخاع" دون انتظار أى مقابل.
اليوم يجب الإشادة بجمهور الزمالك الذى يعرف المعنى الحقيقى للمنافسة الكروية الشريفة دون التلفظ بألفاظ خارجة تجاه الفرق المنافسة، أو الساعية لنشر التعصب والشغب داخل الملاعب وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعى ، فيجب الاهتمام بهذه النوعية من الجماهير حتى نستعيد زمن التشجيع الجميل.
أكثر ما جذبنى خلال مشاهدة جماهير الزمالك فى مدرجات برج العرب، مجموعة الأطفال الصغيرة التي ظلت تشجع الفريق بحماس، فهناك فيديو رائع منشور على موقع "سوبر كورة"، يظهر فيه طفل صغير خالعًا ملابسه ويهتف للزمالك بحماس منقطع النظير، وهو ما يجعلنى هنا أعيد نفس كلمات مقالى المنشور فى "انفراد" بتاريخ 8 أكتوبر 2018، تحت عنوان "وفاء جمهور الزمالك"، وجاء على النحو التالى : طفل صغير لا يتجاوز عمره ست سنوات يظهر فى المدرجات مرتديًا «تيشرت أبيض» ويهتف بحماس منقطع النظير للاعبى الزمالك، تجده تارة يبكى حزنًا على الخسارة وتارة أخرى يطير فرحًا بالفوز، هذا المشهد نراه كثيرًا فى المباريات، حينما تصطاد الكاميرا طفلا وسط عائلته الزملكاوية يُتابع ويترقب وعينه وقلبه مع الكرة بين أقدام اللاعبين ولسان حاله يغنى «يا تيشرت العمر يا أبيض»، هنا المشهد يعتبر عاديًا بالنسبة للطفل وأسرته لأنه يشجع النادى الذى يعشقه، لكنى أراه مشهدًا له معانٍ كثيرة، أهمها على الإطلاق زرع فكرة الانتماء لدى أبنائنا منذ الصغر والتى بدورها ستخلق شبابًا عاشقًا لوطنه، فالانتماء أحد أهم أنواع الحب لأنه لا يرتبط بخسارة أو فوز إنما هو إحساس لا يمكن تغييره مهما كانت الظروف أو الإغراءات.
قصدت الحديث اليوم عن طفل ينتمى للزمالك تحديدًا، لأنه حينما تجد جماهير القلعة البيضاء تظهر بشكل حضارى خارج الحدود فى مباريات الفريق الأخيرة، كما تجدها تهتف: «شمال يمين.. فى الجنة يا شهيد»، تخليدًا لذكرى شهداء الأهلى، وقتها تعلم أن حصاد ما تعلمه الطفل الصغير بدأ يظهر لدى جمهور واعٍ يعرف معنى التنافس الشريف، وهو ما ننادى به دائمًا ونتمنى ظهوره فى مدرجاتنا خلال مباريات الدورى، وهنا يجب أن نتوجه جميعا بمختلف انتماءاتنا الكروية بالشكر إلى جماهير الزمالك الوفية، وأتمنى أن تكون الرسائل الأخيرة خير رد على الجماهير المتعصبة التى تحتمى خلف شاشات «كيبورد» وتخرج عن الآداب العامة بتبادل ألفاظ يحاسب عليها على القانون، وتنشرها على «السوشيال ميديا».
بكل تأكيد أن جماهير الأهلى والإسماعيلى والمصرى البورسعيدى والاتحاد السكندرى وغيرهم لا تختلف عن جمهور الزمالك فهى عاشقة لأنديتها حتى النخاع أيضًا، ولذلك أتمنى أن تزيد جرعة الانتماء الحقيقى لدى الجميع منذ الصغر حتى تظهر أجيال سوية وغير معقدة نفسيًا.
ختامًا : ألف مبروك لنادى الزمالك وجماهيره بلقب الكونفيدرالية، ونتمنى أن تكون هذه البطولة "بشرة خير" لمنتخبنا الوطنى قبل انطلاق بطولة كأس الأمم الإفريقية 2019 والتى تستضيفها مصر الشهر المقبل، كما نأمل أن تكون السيمفونية الرائعة التي قدمها جمهور القلعة البيضاء ضربة البداية لعودة الجماهير بكامل هيئتها فى الموسم الجيد.