سجلت جدران مقبرة، سيتى الأول، أعظم ملوك الأسرة التاسعة عشرة، قصة «هلاك البشرية».. وأيضًا مقبرة رمسيس الثالث من الأسرة العشرين، سجلت نفس القصة، كما نُقشت على «ناووس الملك توت عنخ أمون» الخشبى، وهناك وثائق أخرى سجلت القصة، أبرزها كتاب تعويذات سحرية.
القصة تسرد أن الإله أمون رع، أبو الأرباب فى طيبة، أصيب بحالة من الكآبة والغضب عقب معرفته بمضمون مؤامرة عدد كبير من البشر للتخلص منه، فقرر أن يستعين بالإلهة «حتحور» لمعاونته فى القضاء على كل الرعية من البشر، والتخلص منهم ومن مؤامراتهم، ونكرانهم للجميل..!!
القصة تبدأ سردها، بأن الإله الذى أوجد نفسه بنفسه وأصبح أبو الآلهة والناس جميعًا، فوجئ أن عددًا كبيرًا من البشر قد دبّروا له مؤامرة، وقد كان جلالته وقتئذٍ طاعنًا فى السن، وصارت عظامه من فضة، ولحمه من ذهب، وشعره من اللازورد الحقيقى.. وفطن أبو الأرباب لهذه المؤامرة الوقحة، وقال لحاشيته: تعالوا ونادوا إلى عينى، وكذلك الآلهة «شو» و«تفنوت» و«جب» و«نوت»، ومعهم الآباء والأمهات الذين كانوا فى صحبتى عندما كنتُ لا أزال فى المحيط الأبدى، «نون».. ويجب عليكم أن تحضروهم سرًّا حتى لا يراهم البنى آدمين، إلى القصر العظيم حتى يمدونى بنصيحتهم.
واستجابة لطلب أمون رع، حضر الآلهة، وخروا له ساجدين، ولمست جباههم الأرض، ووقفوا بين أيديه، يستمعون لكلماته، فى حضرة أكبر الآلهة سنًا، الإله «نون»، وقالوا لجلالته: تحدَّث إلينا حتى نسمع حديثك.. فقال أمون رع: يا أيها الآلهة الأقدمون، انظروا إلى بنى البشر الذين أتوا للوجود بعينى، يدبرون الآن مؤامرة ضدى، فأخبرونى ماذا أفعل، فأنا لازلت أفكر وأبحث عن حل، ولن أذبحهم حتى أسمع رأيكم فى ذلك.
رد الإله «نون»: أنت أيها الإله العظيم، ابقَ حيث أنت، فإن الخوف منك سيكون عظيمًا، إذا التقت عينك بمَن تخيل لك سوءًا.. فقال الإله أمون: انظر، إنهم قد هربوا إلى الصحراء لأن قلوبهم فى وجل مما قالوا.. وطالب باقى الألهة من أبو الأرباب أمون، أن يرسل عينه لتذبحهم.
وطلب الإله أمون من حاشيته أن يحضروا له كل الرسل، وأيضًا ملك الوجهين القبلى والبحرى، وعندما وصلوا جميعهم، طلب منهم أن يسرعوا إلى الفنتين «أسوان»، ويلجأوا إلى المكان المرتفع، والأمن، وعند وصولهم جميعا، قرر أبو الألهة أمون رع، أن يتخلص من كل البشر، فجرا، وقد غطى الفيضان، الأرض، واندثر البشر والشجر..!!
كثير من الباحثين والعلماء يعتبرون هذه القصة، نوعا من الشعر القصصى، أو الأدب، مثلها مثل قصة إيزيس وأوزوريس، بينما يحاول البعض أن يربط بينها من حيث الشبه، وبين قصة طوفان سيدنا نوح، المذكورة فى الكتب المقدسة، وهو محاولة للربط، يكتنفها الشك، والريبة، فى ظل نقص وفقر شديد فى المعلومات الأثرية والتاريخية..!!
القصة، تعتبر سرا كبيرا ودفينا، تحتاج لمزيد من البحث والدراسات، وتسخير العلم الحديث، ووسائل التكنولوجيا فى البحث والتنقيب، فالألغاز فى الحضارة المصرية لا حصر لها، وتحتاج إلى إجابات شافية، يمكن لها أن تهدى إلى مفاجآت كبرى..!!
وللحديث بقية إن شاء الله.. إن كان فى العمر بقية..!!