الصدق خلق رفيع، وخصلة راقية اتصف بها أنبياء الله تعالى، ودعا الحق سبحانه من آمنوا به: أن يتصفوا بها، ويجعلوها تاجا فوق رؤوسهم؛ يفخرون به فى مسيرتهم الحياتية . قال جل ذكره:
«يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» التوبة/119 –
والصدق يعنى: قول الحق الذى يطابق الواقع كما يقول المناطقة، وعلماء البلاغة؛ فإذا خالف المتكلم بكلامه ما هو واقع فهو الكذب المنبوذ، قال تعالى «إن الله لا يهدى من هو مسرف كذّاب» غافر /38- وعليه فالكذب يحرم الإنسان من هداية رب الأرض، والسماء، ولا يجد له عونا فى الحياة، ولذا جعل الحق سبحانه الصدق شرطا للنبوة، فلم يرسل عبر تاريخ البشرية نبيا كاذبا، لعلمه أن البشر يرفضونه، ويوم أن ادّعى مُسيلمة النجدى أنه مرسل من الله نبيا، وهو شريك للرسول الأكرم فى النبوة!!، واختلق أكاذيب ادعى أنها قرآن كريم؛ ليدلس على خلق الله: رفضه العقلاء، وصار أضحوكة فى التاريخ، ولازمته صفة الكذب حيا، وميتا، وأطلق عليه من وقت ذلك اسم «مسيلمة الكذّاب»، وسيظل هذا العار ملاصقا له أمام ذريته، وفى العالمين إلى أن يقوم الناس لرب العالمين، وفى المقابل كان الصدق صفة ملازمة لسيد الخلق أجمعين، صلوات ربى وسلامه عليه، وكان وسامًا على صدر الحبيب ينظر إليه الجميع، ويشهد به أبو جهل، والوليد بن المغيرة، والأخنس بن شُريق، وكل «عتاولة» أو قمم الكفر فى مكة قديمًا، بل وكل المناوئين لرسالته حديثًا، حتى وإن رفضوا الرسالة عنادا، وجحودا إلا أنهم لا يستطيعوا إنكار صدقه، صلى الله عليه وسلم، فالموضوعية تُلزمهم بذلك، وتُجبرهم على الشهادة الحق فى حق الصادق الآمين، فها هو المستشرق الفرنسى: هنرى دى كاسترى صاحب كتاب «الإسلام سوانح وخواطر»، يقول ما نصه: «إن صدق محمد، وأمانته أمر متفق عليه تقريبًا بين جميع مؤرخى الديانات، وأكبر المتشيعين للدين المسيحى فى الغرب»
ويؤكد على ذلك توماس كاريل الكاتب الإنجليزى المعروف فيقول لقومه بل، وللناس جميعًا: «هل رأيتم قط أن رجلًا كاذبًا يستطيع أن يبنى أو يوجد دينا عجبا «مثل دين محمد؟» إن الكاذب لا يقدر أن يبنى بيتا من الطوب.. إنى لأحب محمدا لصدقه، وبراءة طبعه من الرياء والتصنع»، نعم كان، صلى الله عليه وسلم، صادقا أمينا ، لا ينطق إلا بالحق، ولم يكذب على الخلق فكيف يكذب على الخالق؟، ولذا يوجه، صلى الله عليه، المجتمع أن يتحلى بالصدق ؛ فبالصدق تُبنى المجتمعات، ويتحقق الأمن والأمان، وفى الحديث الشريف:
«تحروا الصدق، وإن رأيتم فيه الهلكة فإن فيه النجاة، واجتنبوا الكذب، وإن رأيتم فيه النجاة فإن فيه الهلكة»، وفى الكتاب العزيز:
«ليجزى الله الصادقين بصدقهم، ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما» الأحزاب / 24-
حتى فى العبادة إذا لم يكن فيها صدق، وإخلاص فهى جوفاء، وفى التجارة إذا لم يكن التاجر صادقًا مُحقت بركة تجارته، وكان سببا بكذبه فى خراب دياره، وفى الحديث عن الصادق المصدوق:
«إن أطيب الكسب كسب التُجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا.. وإذا باعوا لم يخدعوا»، وللأسف أضحى الصدق فى زماننا هذا سلعة نادرة بين التجار، بل بين الكثير من فئات المجتمع، وصار تشغيل «المخ» فى الحيل والتدليس كما يُقال: هو سمة من سمات العصر، ويظن هؤلاء أنهم بهذا يحسنون صنعًا، والحقيقة هم الخاسرون، بل البلاد كلها هى الخاسرة إذا لم يُعالج هذا الداء «الكذب» والتدليس، بدواء الصدق والإخلاص، فحضارة الإنسان، وتاريخه، ومستقبله: رهن كلمة صدق، وصحيفة صدق، وشعار صدق، فبالصدق نعيش، وليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.
والله هو الهادى إلى سواء السبيل.