اعتدنا منذ سنوات وبالتحديد فى شهر رمضان المبارك على متابعة تلك النوعية من البرامج التى ترتكز فى المقام الأول على الجرأة فى توجيه الأسئلة، وذلك من أجل اكتشاف الجوانب الخفية فى حياة النجوم والمشاهير، فمن منا لم يبهره برنامج "حوار صريح جدا" الذى كانت تقدمه الإعلامية منى الحسينى منذ سنوات، حيث كانت تبحر بنا وتغوص داخل الشخصية فنخرج من الحلقة بكمية هائلة من المعلومات التى لم نكن تعرفها من قبل عن نجومنا الكبار وعن المشاهير الذين يملأون الدنيا نشاطا وحركة دون أن يكون لدينا أى معلومة عن حياتهم الشخصية.
وكانت تلك النوعية من البرامج تحظى بتقدير واحترام الجميع، ولكن حينما يصل الأمر الآن إلى هذا الحد من الفجاجة فى نوعية الأسئلة وهذا الانحدار فى الخطاب الذى شاهدناه فى برنامج "شيخ الحارة"، فإنه لابد من وقفة ولابد أيضاً من إعادة النظر فى تلك النوعية من البرامج بشكل عام، وليس برنامج "شيخ الحارة" فقط، خاصة حينما يصل الأمر إلى هذا التدنى الذى أصبحت عليه برامج الترفيه خلال شهر رمضان، حيث يعتقد القائمون عليها اعتقادا خاطئاً أنهم من خلال الجرى وراء الإثارة وكشف المستور والخوض فى الأعراض فإنهم يستطيعون تحقيق نسب مشاهدة عالية فى ظل منافسة القنوات بعضها البعض على "خطف" المشاهدين خلال الموسم الرمضانى الذى يكتظ بكافة أشكال وألوان البرامج التى تتنافس بالطبع على تورتة الإعلانات.
لقد تابعت أزمة برنامج "شيخ الحارة" الذى تقدمه الإعلامية بسمة وهبة على قناة القاهرة والناس وشعرت بخيبة أمل شديدة لأننى كنت من المتابعين لبسمة فى برامجها السابقة، وكنت أتوقع لها المزيد من التألق والنجاح لأنها تمتلك بالفعل مقومات المذيعة الناجحة، ولكنها وللأسف الشديد انساقت وراء الشو الإعلامى وزغللت عينيها فكرة السباحة عكس التيار فجرفها شلال الهبوط والإسفاف، فكانت المحصلة النهائية أن امتلأ برنامجها بالألفاظ البذيئة التى تخدش الحياء العام وتغتال العادات والتقاليد الشرقية، فأساءت لنفسها قبل أن تسىء للضيوف، حينما سمحت لبعض ضيوف البرنامج بالخوض فى أمور شخصية وعائلية، تخض أشخاصاً آخرين ربما توجد بينهم خلافات شخصية أو أنهم أرادوا تصفية حسابات قديمة.. فتحول البرنامج وما يصاحبه من متابعات على السوشيال ميديا وكأننا أمام "وصلة ردح" على الهواء مباشرة ليس فيها رابح أو خاسر فالكل فيها خاسرون.
لذا فإننى أرى أن ما اتخذه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام من إجراءات بشأن وقف البرنامج هو قرار صائب، وجاء فى أوانه بل ربما يكون قد تأخر بعض الوقت.
فقد أعلن المجلس أنه بعد الإطلاع على لائحة الجزاءات وبالعودة لتوصية لجنة الشكاوى بشأن حلقة الخامس والعشرين من شهر مايو الجارى من البرنامج قرر وقف بث برنامج "شيخ الحارة" فى أى وسيلة إعلامية أو إلكترونية أو رقمية، وإنذار قناة "القاهرة والناس" بوقف ترخيص مزاولة النشاط مؤقتا حال عدم التزامها بتنفيذ قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
وهنا أتساءل: هل القرار الذى اتخذه المجلس بشأن برنامج "شيخ الحارة" كاف لوقف هذا التيار الذى يجتاح الشاشات سواء فى رمضان فقط بل فى جميع شهور العام؟، وهل الإجراء الذى اتخذته نقابة الإعلاميين بوقف بسمة وهبة من شأنه أن يضع حدا لتلك الفوضى فى تقديم البرامج.
أعتقد أنه قد آن الأوان لوقفة حاسمة تجاه كل إعلامى أو إعلامية يتسببون فى تشويه شكل الإعلام المصرى والتصدى بحزم لمحاولات الترويج لبرامج الإثارة والخوض فى الأعراض وكشف المستور، لا لشىء سوى تحقيق أكبر قدر من الإعلانات التى تدر دخلاً للقناة، ومن ناحية أخرى من أجل أن يحقق هذا الإعلامى أو ذاك للشهرة والنجومية حتى ولو كان ذلك على حساب سمعة الناس.
إن أزمة برنامج "شيخ الحارة" للإعلامية بسمة وهبة كشفت عن خلل كبير يسود الساحة الإعلامية وهذا الخلل خلق حالة من الفوضى التى بكل تأكيد تؤثر بشكل سلبى على منظومة الإعلام بالكامل.