لو سألتنى عن العمل الدرامى الأهم فى هذا العام، ستأتى الإجابة دون تردد أو شك: «كلبش3»، هذه العودة الدرامية للاشتباك مع الواقع المصرى السياسى بحكاية تغزو تفاصيلها وينتشر شخوصها فى كل المناطق والمساحات السياسية والإعلامية والمجتمعية والحقوقية والصحفية والدولية لتدور تفاصيل معاركهم بشكل يرسم صورة واضحة ومشتبكة ومعبرة عما تخوضه مصر من صراع قوى وعنيف مع قوى دولية تتلاعب بالأفكار مستخدمة كل الطرق المشروعة وغير المشروعة من أجل تدمير هذا الوطن، ليظهر «كلبش 3» كسلاح من أسلحة القوى الناعمة المصرية، الفن الذى طالما كان أحد أجنحة هذا الوطن التى يطير بها فوق كل المخاطر وكل عملية استهداف للوعى.
يمتلك «كلبش 3» ميزة غابت عن البيئة الدرامية المصرية منذ فترة طويلة، مسلسل قريب مما يدور داخل عقل المواطن المصرى، يجيب له عن أسئلة كثيرة حائرة عن طبيعة اللعبة السياسية فى المنطقة فى فترة ما بعد الربيع العربى، ويعيد معه ترتيب أجزاء الصورة المبعثرة حتى يحصل على إجابات تخص ألغازا كثيرة حول طبيعة ما تتعرض له مصر من مخططات هدم وتشابك المال مع لعبة السياسة، والربط ما بين تحريك الإعلام والتلاعب بالسوشيال ميديا وإعادة ضبط عدة مصطلحات اضطرب التعامل معها خلال السنوات الماضية على رأسها إعادة تعريف ورد الاعتبار للمعارض الوطنى المختلف مع السلطة المشاكس لها، ولكنه لا يقبل أبدا خيانة وطنه لمساعدة أجهزة مخابراتية أو أهداف خارجية، وإعادة تعريف دور الإعلامى وعلاقته بالدولة فى إطار قائم على الحوار والمصارحة والمكاشفة، كما يظهر فى علاقة المذيعة شهيرة باللواء جلال.
على المستوى الدرامى ربما يحتاج «كلبش 3» إلى إيقاع أسرع وحبكات درامية أكثر إثارة، ولكن تبقى رسالة «كلبش 3» قوية وقادرة على تعويض تلك النقائص، نشعر بامتنان حقيقى أمام هذا الاشتباك الدرامى القوى مع الواقع المصرى وقدرة حلقات المسلسل على تفكيك المخاطر التى تتعرض لها مصر وتقديمها فى وجبة درامية قادرة على جذب جمهور التليفزيون خاصة من الشباب.
سليم الأنصارى واللواء جلال السعيد وباقى كتيبة المسلسل، نجحوا فى لفت انتباه المصريين لما يدور فى الأجواء السياسية من مؤامرات وخطط استهداف للمجتمع المصرى وسيناء والدولة المصرية عموما أكثر مما نجح بعض المذيعين أصحاب الأصوات العالية فى تحقيق الهدف، فلقد نجح باهر دويدار وبيتر ميمى وباقى فريق العمل، فى أن يشيروا دون صراحة مطلقة للدولة المعادية لمصر، وكيف تخطط لاستهداف الدولة المصرية عبر الإعلام والسوشيال ميديا والإرهاب، كما نجح المسلسل فى أن يقدم تلك الوجبة دون اتهام أو تخوين، بل كانت حلقات المسلسل حريصة كل الحرص على تقدير دور المعارضة الوطنية وإبراز دورها فى تلك الحرب من أجل حماية مصر، ولم يستسهل صناع المسلسل ويقدموا الشباب أصحاب الرأى المخالف للسلطة فى بعض الملفات وكأنهم خونة، بل نجحوا فى مشاهد متعددة أن يبرزوا المشكلة التى يتعرض لها هؤلاء الشباب من خلال حصارهم بمجموعة من الأخبار والمعلومات والأفكار المغلوطة، وهو ما نجح المسلسل فى التعبير عنه خلال الحلقات الأخيرة وتحديدا مع زيارة شباب جمعية زوجة «أدهم صفوان»، هشام سليم، إلى سيناء للتحقق من طبيعة الوضع على الأرض هناك، وكيف تحولت آراء الشباب واختلفت، واكتشفوا أن ما ينشر وما يبث لهم عن سيناء معلومات مغلوطة، حتى فى مشهد استشهاد الضابط حسام أثناء مواجهة الإرهابى، كان باهر دويدار وبيتر ميمى حاضرين بذكاء معتاد حينما انتصرا للفكرة على الأكشن وقدما رؤية مغايرة لمشهد درامى اعتاد الناس فيه الاهتمام بالتفجير والنار والدموع، فوجدوا حوارا رائعا بين الضابط حسام والإرهابى يلخص معركتنا الفكرية مع الإرهاب خلال السنوات الماضية.
« كلبش 3» هو أكبر دليل على عظمة القوى الناعمة، وقدرة الفن على إحداث الفارق والتغيير، وتحويل دفة الأحداث ومواجهة المتلاعبين بالعقول، لذا تبدو التحية واجبة لكل صناع هذا المسلسل الذين خالفوا الخطوط السائدة فى السوق الدرامية والخاصة بالخلطة الدرامية الشعبية المعتادة فى رمضان، والإصرار على وجود «كلبش 3» فى هذا السباق بما يحمله من رسالة مهمة وخلطة سياسية جادة قادرة على أن تشتبك مع الواقع ومشاكله، وتحلل وتفند المخاطر بنجاح يمكن رؤيته فى هذا الاهتمام الشعبى بالمسلسل الذى أتمنى أن يفكر منتجه ومخرجه فى تحويل حلقات هذا المسلسل بعد جلسات مونتاج قاسية تدمج حلقات «كلبش 3» بشكل لا يخل برسالته وتحولها إلى فيلمين يتم نشرهما على كل المواقع ومراكز الشباب والمدارس، لأن فى «كلبش 3» إجابات عن أسئلة كثيرة تدور فى عقل المواطن والشاب المصرى بخصوص السنوات الماضية، ودراما سليم الأنصارى قادرة على أن تمثل تلك الخريطة الاسترشادية التى تحل ألغاز الواقع المتشابك فى الساحة السياسية الدولية.