كل الكتب السماوية، وأيضا الوثائق التاريخية، للحضارات القديمة المختلفة، اتفقت على قصة الخلق، وأن الإنسان مخلوق من «طين».. ففى القرآن الكريم، قال المولى عز وجل فى سورة الأعراف: «وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ».. وفى سورة الحجر قال: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ».. وفى سورة المؤمنون قال أيضا: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ».
وذكر سفر التكوين قصة الخلق ونصها: «وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض، ونفخ فى أنفه نسمة حياة.. فصار آدم نفسا حية».
وذكرت قصص الخلق فى أدبيات الحضارات القديمة المختلفة، بأشكال مختلفة، ولكنها اتفقت جميعها على أن خلق الإنسان من الطين، ففى الحضارة السومرية، قصة أن الإله إنكى أو إنليل، خلق الإنسان كخادم للآلهة من الطين والدم.. وفى الحضارة اليونانية، فإن «بروميثيوس» الذى كلفه الإله «زيوس» بخلق الإنسان، استعان بالطين لخلق البشر، ومنحهم قدرات رائعة وعظيمة، أغضبت الإله «زيوس».. ونفس الأمر فى الحضارات الصينية والهندية واللاوسية والانكا، وغيرها من الحضارات القديمة.
وننتقل لقصة خلق الإنسان المادى عند المصريين القدماء، فإن الإله «خنوم» قرر خلق البشر من طمى النيل، وشكله على عجلة الفخار بتكليف من أبو الأرباب «آمون».. وكان خنوم يجلس أمام آلة الفخار ويصنع البشر من الصلصال.. وصنع نموذجيْن لكل إنسان.. الأول للطفل والثانى لـ«الكا» وهى روح الإنسان.
ويوجد فى متحف الأقصر جدارية للإله خنوم وهو يُشكل على عجلة الفخار الملك «حورس» وبجواره الإلهة حتحور تـُقدّم رمز الحياة، كما ورد فى كتاب «آمون- إم- أوبى» وعلى لسان الحكيم «آمون- إم- أوبى» قائلا: «لقد خلقنى خنوم ممتازًا.. إنه يوجه لسانى نحو الخير.. إننى لم أدنس فمى بإهانة من أهاننى.. إننى استجلبت المحبة لنفسى».. ثم يوجه نصيحته لابنه قائلا: «كن رحيما فى كل شىء.. فلا تهزأ بالأعمى.. ولا تسخر من القمىء.. لا تـُسبب الضرر لأحد».
هكذا ارتبطتْ قصة الخلق عند المصريين القدماء، بأن أصل الإنسان من طين، وقبل هبوط الرسالات السماوية بآلاف السنين، وهو أمر اتفقت عليه أيضا قصص خلق الإنسان المادى فى كل الحضارات القديمة، لكن امتازت قصة الخلق عند المصريين القدماء، بجانب التوصل لأصلها المادى «الطين» بالقيم الأخلاقية، والمعانى السامية..!!
ولابد من إدراك أمرين مهمين، الأول أن المصرى القديم، كان مؤمنا موحدا، وليس وثنيا، وتوصل لقضية البعث والعالم الآخر، ويوم الحساب، منذ بدء الخليقة وقبل نزول الرسالات السماوية.. والأمر الثانى، أنه توصل إلى أصل خلق الإنسان المادى، وهو الطين، والربط بين بدء خلقه، بالقيم والمعانى السامية، والضمير الأخلاقى..!!
وللحديث بقية إن شاء الله...!!