ما الفرق بين الإرهابى والشخص الطبيعى، ومتى يتحول الشخص الطبيعى لإرهابى يقتل الآخرين بدم بارد ومن دون شعور بالذنب؟ سؤال يتكرر مع ظهور وتصاعد الإرهاب خلال العقود الماضية، ومؤخرًا مع انتشار العمليات الإرهابية فى أوروبا ودول العالم المختلفة.
بعد تسلم هشام عشماوى، الضابط السابق وزميل دفعة البطل أحمد المنسى، البعض يتساءل: هل يمكن أن يصبح الضابط إرهابيا؟ والواقع أن السؤال لا محل له مع متابعة نشأة وتحركات الإرهاب، التنظيمات الإرهابية الدينية تقوم بعملية غسل مخ تقدم أدلة من بطون النصوص الدينية تجعل القتل والذبح والحرق جهادًا، يقود مرتكبه إلى الجنة ولقاء الحور العين. والإرهابيون لا ينظرون لأعمالهم مثلما ينظر لها الضحايا والأشخاص الطبيعيون، الإرهابيون يتفاخرون بالقتل والتفجير، ويجدون من يستخرج لهم من النصوص ما يمنحهم الاطمئنان حتى النهاية.
وعليه فإن التساؤل عن كيفية تحول هشام عشماوى إلى إرهابى، يشبه التساؤل عن تحول بن لادن أو البغدادى إلى قتلة يحملون تراخيص بالقتل والإيمان معًا، هناك جزء فى التحول إلى الإرهاب يرتبط بالنصوص ومئات التفسيرات والكتب التى ساهمت فى اعتبار الإرهاب جهادًا.
عشماوى، وهو ضابط، يتوازى مع سؤال عن الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات، الذين انخرطوا فى الإرهاب قديمًا، وحاليا مع داعش والقاعدة، ولدينا أسامة بن لادن وأغلب قادة الإرهاب الكبار من الثمانينيات فى القرن العشرين كانوا من الطبقة الوسطى ودراستهم علمية، الهندسة والطب والعلوم ،ربما فى السنوات الأخيرة مع ظهور موجات الإرهاب المعولم انتقل الإرهاب والتطرف إلى مرحلة جديدة.
كان السائد من السبعينيات هو الربط بين التطرف والإرهاب من جهة، وبين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لكن تاريخ جماعات الإسلام السياسى يشير إلى أن نظريات التكفير وقتل المختلف لها جذور منذ الفتنة الكبرى، وظهور الملل والنحل والمذاهب التى صبغتها السياسة وأعادت توظيف النصوص.
حديثا مع جماعة الإخوان وحسن البنا بدأت التفرقة بين الإخوانى والمسلم أو المواطن، وبدأت الاغتيالات، وتطور التكفير مع سيد قطب والتعامل مع المجتمع باعتباره جاهليا، كمقدمة لظهور دعاة اعتبروا أنفسهم مكان الرسول والمجتمع مع الكفار، وأنهم رسل وليسوا بشرا عاديين، ونظرة على عشرات الدعاة تكشف أن كلا منهم يتحدث باعتباره وكيلا عن الرسول وليس مجرد بشر عادى.
وبالتالى، فإن من يتساءلون عن كيفية تحول عشماوى الضابط إلى إرهابى عليه العودة إلى مئات الضباط الملتحين الذين ظهروا بعد 25 يناير واحتلوا الصورة مع تولى الإخوان، ومازالوا موجودين بأفكارهم ومعتقداتهم وتكفيرهم للمجتمع ولزملائهم ورؤسائهم، بعضهم يعتقد أنه يمهد لإقامة دولة الخلافة، وأى منهم يرى نفسه مع أبوبكر البغدادى أو بن لادن، والآن فى إعلام الإخوان وتركيا ولندن من يعتبر عشماوى مناضلا، وبدرجات مختلفة تدافع الجزيرة وتوابعها فى تركيا ولندن عن عشماوى وعن الإرهاب بشكل علنى.
هناك بيانات وأعداد كبيرة من الدواعش فى مواقع التواصل أصدروا بيانات يتفاخرون فيها بعشماوى، وهم ليسوا أقل منه داعشية، عشماوى يجد فى بعض النصوص ما يجعل الإرهاب والقتل عملا جهاديا من أجل تحرير الأمة وإقامة الخلافة الراشدة فى طرابلس أو المنصورة أو راس البر، ويرى أنه عندما يرسل انتحاريا ليفجر نفسه أو يذبح مسيحيا ويأسر إيزيدية أو حتى يحرق مسلما شيعيا أو سنيا من جماعة أخرى، إنما يجاهد من أجل نصرة الدين والعقيدة.
أما بعيدا عن النصوص فهناك المصالح والأهداف وراء إقامة هذه التنظيمات الإرهابية، الإرهاب صناعة وتجارة تديرها أجهزة ودول، كان تنظيم القاعدة أكبر نموذج على تنظيم إرهابى تم بدعم قوى المال والاستخبارات، تكرر الأمر مع تنظيم داعش بطريقة أخرى فى طريق صناعة وتجارة الإرهاب، وهى قصة أخرى.