للأسف الشديد، مازال البعض منا يعتقد أن كبريات الصحف الغربية منابر مقدسة للمهنة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، يعنى لا تتورط مثل صحف العالم الثالث فى ابتزاز رجال الأعمال والشركات الكبرى أو تفتح صفحاتها لمواد تحريرية موجهة أو حتى يمكن أن تخصص افتتاحياتها لوجهات نظر لا علاقة للمجلة أو الصحيفة بها مقابل المال، والحق أن كل شىء مدفوع وموجه فى الصحف الغربية الكبرى خاصة الصحف الأمريكية، والشواهد فى الماضى كثيرة، لكننا نكتفى فقط بالمقال المدفوع الذى نشره وزير استثمار الإخوان يحيى حامد على صفحات المجلة الأمريكية الشهيرة فورين بوليسى كحالة من حالات الاختلال المهنى الرهيب التى باتت معها الصحف الأمريكية مجرد شقق مفروشة لمن يدفع أكثر، ولكن على مستوى عال من التعامل، أى على مستوى الدول وشركات العلاقات العامة الكبرى لأن العوائد فى المقابل ضخمة.
فورين بوليسى أفردت حيزا كبيرا لوزير استثمار الإخوان الفاشل يحيى حامد ليكتب عن قرب انهيار الاقتصاد المصرى، وكيف أن صندوق النقد الدولى وكبريات المؤسسات المالية الدولية تتواطأ لرسم صورة مغلوطة لهذا الاقتصاد، وأن ما تحقق يبدو فى الظاهر أنه قصة نجاح كبرى، ولكنه ليس كذلك برغم الإشادات الدولية، ويتحدث وزير استثمار الإخوان أو من يكتب باسمه عن ارتفاع مستوى الدين وخدمته، وكذلك ضعف الاعتمادات الموجهة إلى القطاعات الحيوية، مثل التعليم والصحة، وكذلك عدم الاهتمام بالفئات الأكثر احتياجا خلال السنوات الماضية.
الملاحظ على فورين بوليسى باعتبارها ناشرة هذا الهراء، تحت عنوان “T ARGUMEN” أى موضوع للنقاش، أنها أغلقت الباب أمام أى نقاش واكتفت بالموضوع الموجه الذى يؤكد أنه مدفوع، ولم تعرض أى وجهات نظر أخرى لمتخصصين دوليين أو استعرضت الإحصاءات الخاصة بتحولات الاقتصاد المصرى، خاصة أن المقال إياه يخالف ويشكك فى تقارير كبريات المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولى وفيتش وستاندرد أند بورز وموديز، وغيرها من المؤسسات التى نشرت تقارير مبشرة للغاية لما تحقق من إصلاح اقتصادى مصرى فى ظروف صعبة وكذا باعتباره قصة نجاح تحتذى فى الدول النامية مع معدلات النمو المتحققة التى فاقت توقعات هذه المؤسسات الدولية، التى كانت تتحدث عن معدلات نمو سنوية بين 4 و4.5% فإذا ما تحقق حتى الآن 5.6%.
رائحة الأموال القطرية بارزة فى هذا الهراء الملىء بالمغالطات على صفحات فورين بوليسى، كما يظهر فى عديد من المقالات الأخرى خلال الفترة السابقة ، فقد اعتادت المجلة على نشر صفحات تحمل وجهات نظر تنظيم الحمدين فى مختلف قضايا الشرق الأوسط، ففى مصر عادة ما تنشر وجهات النظر الإخوانية على صفحات مدفوعة وفى مختلف المناسبات، فما يمكن أن تجده على شاشة الجزيرة القطرية أو مكملين الإخوانية التركية أو العربى اللندنية القطرية حول التعديلات الدستورية فى مصر مثلا تجده بالإنجليزية فى مقالات على فورين بوليسى، وما تبثه هذه الأبواق الموجهة عن السعودية والإمارات من وجهة نظر تنظيم الحمدين تجده أيضا فى مقالات المجلة الأمريكية الشهيرة وحتى الموقف القطرى المعروف والموالى مع تركيا لدعم إخوان ليبيا والميليشيات الإرهابية فى طرابلس والهجوم على حفتر والجيش الليبى تجده أيضا مترجما فى مقالات المجلة.
نحن إذن أمام شركة علاقات عامة تتعامل مع تنظيم الحمدين القطرى وتنشر له المواد الصحفية التى تترجم توجهاته الداعمة للإرهاب والمشوهة للرباعى العربى وفى مقدمتها مصر فى فورين بوليسى، وفى غيرها من الصحف الأمريكية والغربية، بحكم معايير السوق الذى يحكم ويوجه الصحافة الغربية لمن يدفع أكثر بدون فلسفة أو أوهام كبرى عن تحرى الحقيقة المطلقة، وفى هذا الإطار يأتى مقال التافه يحيى حامد، وزير استثمار الإخوان، الذى لا أعرف كيف كان وزيرا للاستثمار وهو غير متخصص ولا علاقة له بالاقتصاد أو الاستثمار اللهم، إلا إذا كان عضوا بالتنظيم الخاص مثله مثل أسامة ياسين، وزير شباب الإخوان، الذى ظهر فجأة بعد 2011 وقاد هو والفرقة 95 الإخوانية عمليات القتل والتعذيب فى ميدان التحرير واعترف بها على قناة الجزيرة ومازال اعترافه موجودا ومسجلا على يوتيوب.
الهراء الذى كتبه يحيى حامد وزير استثمار الإخوان على فورين بوليسى لا قيمة له، ولا يستحق الرد على ما فيه من كوارث ومغالطات فجة لا يرتكبها طالب فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بل يمكن ألا يكون هو كاتبها أصلا، وأن شركة البى آر أو العلاقات العامة وضعت اسمه عليها بناء على التوجيه الذى وصل إليها، ولكن المهم أن نعيد النظر فى الطريقة التى نتعامل بها مع الصحافة الغربية وما تكتبه عنا، فالتقارير المنشورة بها ليست عنوان الحقيقة، ولا الخواجة يعرف عنا أكثر مما نعرف عن أنفسنا، فهذه نظرة عملت قوى الاستعمار على تكريسها فى عقول الأجيال الماضية، أما الأجيال التى خاضت حروب الجيل الرابع وواجهت عمليات التلاعب بالعقول وشهدت انهيارات وكالات الأنباء العالمية وسقوط كبريات المنابر الصحفية فى أوحال السياسة، فعليها أن تمحص وتنتقد وتحاكم ما يصل إليها من تقارير فى الصحف الغربية عن مصر أو المنطقة العربية وما يجرى فيها، لأن اللعبة الآن لا تعترف بالمهنية، والنقود صوتها أعلى من كل الأصوات، كما أننا لم نعد بحاجة إلى شهادات خارجية حتى ندرك أننا على الطريق الصحيح.