ما زال السوق المصرى يعانى من نقص شديد فى الأراضى الصناعية، بسبب نقص المعروض من هذه الأراضى مقابل حجم الطلب عليها، وذلك رغم ما شهدته مصر من انفراجة كبيرة، خصوصًا فى منح التراخيص الصناعية، بعد صدور القوانين الأخيرة.
المشكلة الرئيسية فى موضوع الأراضى الصناعية وسبب نقصها هو سيطرة "سماسرة الأراضي" على معظم الأراضى التى تطرحها الحكومة ممثلة فى هيئة التنمية الصناعية، ويستخدمون فى ذلك عدة طرق ملتوية، لإخفاء كونهم سماسرة أراضٍ، حتى يحصلوا على الأرض، ثم يقومون بتسقيعها، وبيعها بعد ذلك بأسعار عالية، ما يتسبب فى خلق سوق سوداء للأراضى بمجرد الإعلان عن أى طرح حكومي.
وهناك عدة طرق لهؤلاء السماسرة للحصول على الأراضى والسيطرة على العدد الأكبر من الوحدات المطروحة، ومن أهمها تجنيد عدد من الشباب ومدهم بالأموال اللازمة للتقديم ضمن طلبات الحصول على أراضٍ صناعية، ويساعدونهم فى الحصول على الأوراق المطلوبة ويدفعون لهم كل الرسوم، وعندما يحصل هؤلاء الشباب على الأراضى بالطريق الرسمي، يقوم الشباب بالتنازل عن الأراضى للسمسار مقابل مبلغ معين يتم الاتفاق عليه، وتتكرر هذه الحيلة مع كل طرح للأراضي، ثم يقومون بإعادة بيع الأراضى بأسعار أعلى لتحقيق أرباح سريعة وكبيرة.
ومن هذه الطرق أيضًا أن يقوم السمسار بمجرد الإعلان عن نتيجة الطرح، خصوصا فى الأراضى المخصصة لصغار المستثمرين والشباب، بالاتصال بالفائزين بشكل مباشر ومساومتهم على قطعة الأرض التى حصل عليها مقابل مبلغ من المال يفوق ما دفعه الشاب بكثير، وهو ما يغرى الكثيرين بالتنازل على الأرض الخاصة به مقابل الربح السريع.
ولعل هذا ما كان يعنيه رئيس الهيئة العامة للتنمية الصناعية، عندما قال فى اجتماع جمعية رجال الأعمال المصريين: "مبنمش بالليل من سماسرة الأراضي، وبديلهم تراخيص وأنا عارف أنهم سماسرة لأن أوراقهم سليمة".
لكن على رئيس الهيئة عدم الاستسلام لهذه الظاهرة لمجرد أنهم يقدمون أوراقًا سليمة، فهناك طرق يمكن بها حرمان هؤلاء السماسرة من الحصول على الأراضى بشكل متكرر بدون حق، منها ضرورة مراجعة الأراضى ومستنداتها بعد تسليمها لأصحابها بشكل دوري، ومطابقة اسم صاحب المشروع المقام على الأرض مع اسم صاحب العقد الأصلى للحصول على الأرض، وأن يكون أى بيع أو تنازل عن الأرض لغير المستحق لها طبقًا لشروط الطرح هو بمثابة تنازل عن الأرض بشكل نهائى لهيئة التنمية الصناعية وعدم الاعتداد بالمالك الجديد، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد المستحق الذى فرط فى الأرض بالبيع أو التنازل وضد الشارى إذا ثبت أنه سمسار ويقوم بهذا الفعل بشكل متكرر.
كما أن الرئيس عبد الفتاح السيسى كان قد تنبه لهذه المشكلة وشدد فى أحد اجتماعاته على الحكومة بضرورة متابعة التراخيص التى تم منحها للمستثمرين فى الفترة الأخيرة والتأكد من أن أصحابها بدأوا العمل بها كما هو متفق عليه، أم أنهم حصلوا على الرخص وقاموا بتسقيعها أو إعادة بيعها، وخلق سوق سوداء جديدة للتراخيص، مرة أخرى، رغم جهود الدولة والقيادة السياسية لمنع حدوث ذلك، والعمل على تسهيل الحصول على الأراضى والتراخيص فى وقت محدود وبسرعة فائقة عما كان يحدث قبل سنوات، وكان يتسبب فى ظهور أسواق سوداء فى كل شىء.
وفى النهاية لابد من معالجة هذا الملف بشكل حاسم لمواجهة مافيا السماسرة والحفاظ على توجه الدولة فى منح الفرص للشباب وصغار المستثمرين، لخلق مزيد من فرص العمل، وزيادة الإنتاج المحلى والصادرات المصرية الناتجة عن إقامة مصانع جديدة على هذه الأراضى لمعالجة الخلل فى الميزان التجارى المصرى، وخلق حالة من التفاؤل بين الشباب على مستقبلهم ومستقبل بلدهم.