حينما تتحول الأحلام إلى كوابيس .. وحينما تصبح صحة المواطنين وراحتهم النفسية تحت رحمة بعض اصحاب النفوس المريضة الذين هم فى حقيقة الأمر مجرد آلات حاسبة تحسب الاشياء باعتبارات المكسب والخسارة فقط دون مراعاة البعد الاجتماعى ، فإن الأمر يحتاج الى وقفة .. نعم يحتاج الى وقفة حازمة وحاسمة مع كل من تسول له نفسه أن يترك حياة الابرياء عرضة للخطر وازهاق الارواح فى اى لحظة بلا ذب وبلا سبب سوى انهم يعيشون فى مكان غير آدمى .. مع ضرورة الضرب بيد من حديد على كل من يهمل ويقصر فى اداء عمله طالما يتعلق الامر بصحة الناس وحماية أرواحهم.
أقول ذلك وكلى أسى وأسف على مشروع كنت قد ساهمت فى أن يرى النور ولكن للأسف الشديد، فإن يد الإهمال طالته فتوقف ولم يكتمل وهو فى مراحله الأولى .. ليس هذا وحسب بل أنه تحول من حلم جميل الى مصدر قلق للاهالى ومثير للفزع والرعب من اقتراب شبح الموت الذى اصبح يهدد اطفالهم فى اى لحظة وفى كل وقت.
المشروع هو مشروع الصرف الصحى، الذى انتظره أهالى قرية شبرا ملس بمحافظة الغربية واحدة من أكبر القرى بالمحافظة وتشتهر بصناعة الكتان وتصديره للخارج، فأصبحت تحمل اسم "قلعة صناعة الكتان"، هذا المشروع انتظره الأهالى على مدى أكثر من 30عاماً، حيث كانوا طوال هذه السنوات الصعبة يسمعون وعوداً انتخابية من كل من يرشح نفسه لمجلس الشعب بحل هذه المشكلة وهكذا كان اصحاب الوعود البراقة واحداً تلو الاخر دون ان يرى الناس شيئاً ملموساً على ارض الواقع فالمسألة لا تعدو كونها تأشيرات وهمية ومجرد حبر على ورق.
وظل الوضع على هذا النحو، إلى أن طلب منى أهل القرية الذين تربطنى بالكثير منهم صداقة واخوة فقد طلبوا منى التدخل لايجاد حل لتلك المشكلة وقد وفقنى الله عز وجل فى عام 2014 أن احصل على موافقة صريحة لتوصيل شبكة صرف صحى لهذه القرية وبالفعل تحول الحلم الى حقيقة فى عام 2015، حيث تم تخصيص الارض المطلوبة للمشروع وتم وضع الرسومات الهندسية اللازمة والانتهاء من كافة الإجراءات.
وفى عام 2018 بدأ بالفعل العمل فى تنفيذ المشروع وانتشرت المعدات فى عدة مناطق بالقرية وبعد فترة وجيزة توقف التنفيذ وكأن اهالى القرية مكتوب عليهم الشقاء فقد تركت الشركة المنفذه القرية بعد ان قامت بحفر العديد من الفتحات فى اماكن متفرقة ومن سوء الحظ تحولت هذه الفتحات الى مصدر قلق لأن الاطفال اصبحوا عرضة للسقوط فيها فى اى لحظة وهكذا انقلب الحال فتحول الحلم هذه المرة الى كابوس لأن الاهالى حينما معرفة سبب توقف تنفيذ المشروع كانت المفاجأة بأن الشركة التى بدأت التنفيذ ليست هى الشركة الأساسية وانما هى شركة تعمل من الباطن ونظراً لأنها لم تحصل على مستحاقتها المالية فقد قررت على الفور عدم استكمال العمل فى المشروع وكأن لسان حالها يقول على رأى المثل الشعبى "خسارة قريبة افضل من مكسب بعيد".
وهكذا وصل الأمر، حياة الناس أصبحت لعبة فى يد الشركات المكلفة بتنفيذ المشروع، فإذا كانت الشركة التى تعمل من الباطن لها مبرراتها وأسبابها، فهى لم تحصل على مستحقاتها عن الفترة التى نفذت فيها بالفعل جزءً من الحفر، فمن المؤكد فى هذه الحالة أن تكون الشركة الاساسية المكلفة بتنفيذ المشروع لها نفس المبررات فهى بالطبع لم تحصل هى ايضا على مستحقاتها من هيئة الصرف الصحى وبالتالى تعثرت عن السداد لشركة " الباطن" ضاربة عرض الحائط بصحة الناس بارتكاب هذه الحماقة.
المسألة يا سادة، أن المواطن أصبح ضحية عمل عشوائى يتصرف فيه كل طرف حسب ما يراه فى مصلحته وبالتالى فإن مصلحة المواطن اصبحت على "كف عفريت" كما نرى الان فى "قلعة صناعة الكتان".
لذا فإننى أخاطب معالى وزير الاسكان والسيد رئيس هيئة الصرف الصحى، متسائلاً: "هل يصح أن يعيش اهالى هذه القرية على بركة من مياه الصرف الصحى ونحن نعيش فى القرن الواحد والعشرين ولمصلحة من يتم ترك صحة الناس تحت رحمة "المستخلصات المالية" للشركات ومشاكلها التى لا تنتهى؟".