على الموقع الرسمى لوزارة خارجيتها، تؤكد سلطنة عمان على عدة مبادئ تتعلق بسياساتها الخارجية؛ أبرزها الحفاظ على صورتها كدولة تركز على الوساطة والتفاوض، وهو ما استطاعت تحقيقه خلال العقود الماضية من خلال تأكيد وضعها فى المجتمع الدولى مع تجنب أى تحالفات صلبة يمكن أن تخرجها عن الحياد.
حملت السنوات القليلة الماضية الكثير من الأحداث التى برزت فيها "مسقط" أشبه بالوضع السويسرى، ولو أنه بالنسبة لتلك الدولة الخليجية التى تقع فى قلب منطقة متوترة وبصفتها عضوا فى مجلس التعاون الخليجى، يجعل الحياد أصعب كثيرا بالنسبة لها، فمرورا بالحرب بين إيران والعراق 1980/1988 ، حيث رعت محادثات سرية لوقت إطلاق النار، والاتفاق النووى الإيرانى فى 2015 والمقاطعة العربية لقطر منذ 2017، وحتى على صعيد العلاقات العربية مع إسرائيل وصولا إلى التوتر الأمريكى الإيرانى الواقع حاليا، نأت عمان بنفسها عن الانحياز لأى من الأطراف أو اتخاذ سياسة عدوانية، وهو ما كان ولا يزال أشبه بالسير على خط رفيع.
فى التصعيد بين واشنطن وطهران، والذى يقرع طبول الحرب بشدة، سرعان ما استحضرت عمان دورها المعهود كوسيط تهدئة وسلام وبالفعل أعلن وزير الخارجية العمانى، يوسف بن علوى، إن بلاده تسعى إلى تهدئة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.
تتمتع عُمان بعلاقات ودية مع إيران، قبل الثورة الإسلامية وبعدها، وتوسطت فى مناسبات متعددة بين إيران والولايات المتحدة، وأشادت إدارة الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما، بسلطنة عُمان قبل بضع سنوات لإنشاء قناة خلفية بين واشنطن وطهران أسفرت فى نهاية المطاف عن الاتفاق النووى فى يوليو 2015، والمعروفة رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة ( JCPOA)، التى انسحبت منها إدارة الرئيس الحالى دونالد ترامب العام الماضي.
هذا الدور لفت أنظار المراقبون الأمريكان، الذين وصفوا إن الدولة الخليجية التى تقع على بحر العرب، ب،"سويسرا الشرق الأوسط" وطالما يفخر السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد، الذى يحكم البلاد منذ عام 1970، بالحفاظ على علاقات سياسية واقتصادية ودية مع إيران، وكذلك التحالف مع الولايات المتحدة.
وكان انتخاب باراك أوباما كرئيس فى عام 2008 بمثابة بداية لتحول كبير فى السياسة الخارجية للولايات المتحدة، حيث بدأ أوباما التواصل الدبلوماسى مع إيران، وقد أتاح هذا لسلطنة عمان فرصة لتوسيع علاقاتها مع كلا البلدين، وبحسب دراسة لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأمريكية، فإن دور عمان كقناة للعلاقات الإيرانية الأمريكية لم يكن بدون سابقة، إذ قام وزير الخارجية العمانى بمساعدة الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون لإيصال رسائل إلى الزعماء الإيرانيين.
وأحيت عمان دورها كمحاور عام 2009، عندما قال وزير الخارجية يوسف بن علوى للسفير الأمريكى فى عمان ريتشارد شميير: "يمكن لعُمان ترتيب أى لقاء تريده وتوفير المكان"، وفى ذلك العام، أنشأت عُمان قناة خلفية، عبرت منها رسائل بين واشنطن وطهران .
وبالفعل فى عام 2010، لعبت مسقط دور عبر سالم بن ناصر الإسماعيلى، المستشار الإقتصادى للسلطان قابوس، فى تبادل محتجزين بين واشنطن وطهران، واصل الإسماعيلى التواصل مع وزارة الخارجية الأمريكية، مما أقنع مسئولى أوباما فى نهاية المطاف بالسفر إلى عمان لمعرفة المزيد عن رؤية السلطان للحوار الأمريكى الإيرانى وقام السناتور جون كيرى بعدة زيارات، بدأت المحادثات المباشرة بين المسؤولين الأميركيين والإيرانيين فى عام 2012 فى مسقط، وسرعان ما تضمنت أعضاء مجموعة P5 + 1 الذين توصلوا إلى اتفاق نووى مؤقت، يُعرف بخطة العمل المشتركة (JPOA)، فى نوفمبر 2013؛ ودخلت حيز التنفيذ فى يناير 2014. ثم تم التوصل إلى الاتفاقية النووية النهائية، والمعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، فى يوليو 2015 ودخلت حيز التنفيذ فى يناير 2016.
من جهة أخرى، ترتبط عمان بعلاقة وثيقة مع الولايات المتحدة، ويواصل الجيش الأمريكى تقييم علاقته الطويلة بالسلطنة، والتى تمنح الولايات المتحدة إمكانية الوصول إلى القواعد الجوية الإستراتيجية ومنشآت الموانئ القريبة من إيران. كما تعمل عمان مع البحرية الأمريكية لضمان حرية الملاحة عبر مضيق هرمز، الممر المائى الاستراتيجى الذى يمر عبره 30% من النفط الخام الذى يتم نقله عن طريق البحر.
لفت الصمت العمانى الأنظار بشدة فى 2017، عندما أعلنت ثلاث من كبار دول مجلس التعاون الخليجى، السعودية والإمارات والبحرين، معهم مصر، فرض مقاطعة شاملة لقطر بسبب دورها فى دعم الجماعات المصنفة إرهابية فى المنطقة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين. لكنها على صعيد أخر واصلت العلاقات الاقتصادية مع قطر وكان لذلك منفعة كبيرة لصالحها. ويقول المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية إن عمان فى عهد السلطان قابوس، تركزت إستراتيجية السياسة الخارجية لها فى الحفاظ على التوازن بين القوى الكبرى فى الشرق الأوسط، وتجنب الصراع والتدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى، مع عرض العمل كوسيط فى النزاعات الإقليمية والتأكيد على الحاجة إلى الحوار.
ولا يقتصر الأمر على ما يتعلق بقطر، ولعل الأكثر إثارة للاهتمام هو الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لمسقط، وهى ليست الوحيدة من قبل رئيس حكومة إسرائيلى إلى عمان. فسبقها زيارة اسحق رابين فى ديسمبر 1994 وشيمون بيريز عام 1996. ويمكن النظر إلى هذه الزيارات فى إطار أهداف عمان الجيوسياسية والجغشرافية الإستراتيجية.
فعلى مدار تاريخها، اتبعت سلطنة عمان سياسة براجماتية واستراتيجية حذرة. لكن فى ظل صعوبة المهمة، يبقى التساؤل بشأن قدرة السلطنة على مواصلة سياستها المخالفة لجيرانها والتى بالتأكيد تعرضها لضغوط من أطراف مختلفة، إذ من غير الواضح عما إذا كانت عمان يمكن أن تظل محايدة إلى أجل غير مسمى، بالنظر إلى الضغوط المتزايدة من القوى الإقليمية والعالمية. ومن ثم أوصى المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية، بضرورة أن تقدم الدول الأوروبية الدعم السياسى لعمان للبقاء على حيادها حتى لا يفقد الشرق الأوسط أحد الوسطاء الأكثر فاعلية.