لم يأت تنظيم المنتدى الأفريقي الأول لمكافحة الفساد المقام حالياً فى شرم الشيخ من فراغ وإنما هو انعكاس طبيعى ونتيجة حتمية لتلك الخطى التى قامت بها مصر فى مجال مكافحة الفساد ومحاصرته وتجفيف منابعه وخير دليل على ذلك ما تكشف عنه هيئة الرقابة الإدارية بشكل مستمر عن قضايا فساد لم تكن واردة فى الحسبان ولكن يقظة هيئة الرقابة الإدارية جعلت من تلك القضايا تحت السيطرة من خلال العديد من الاساليب بل أصبح الفساد محاصراً من كافة الجهات فصار وكأنه يكاد يلفظ انفاسه الأخيرة.
والحق يقال فإن ما انجزته مصر فى مجال مكافحة الفساد لم يكن يتم بأى حال من الأحوال دون وجود هذا المناخ الصحى الذى هيأته القيادة السياسية من أجل الوصول الى تلك النتائج التى لفتت أنظار العالم وجعلت من مصر واحدة من الدول التى تسير بخطى واسعة فى هذا المجال وهنا تكمن أهمية منتدى شرم الشيخ لانه لا يتوقف عند حد استعراض التجربة المصرية من الناحية القانونية فقط بل أيضًا العملية والتنفيذية وكيفية التحرك السريع والتنسيق بين أجهزة الدولة من خلال استراتيجية متكاملة للنشاط المؤسسي لمكافحة الفساد.
هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فإن انعقاد المنتدى في مصر يأتى إيماناً بأهمية تعزيز العمل الأفريقي المشترك خاصة فى ظل رئاسة مصر للاتحاد الافريقى والتى تسعى مصر من خلال هذه الرئاسة نحو تعزيز العمل المشترك فى كافة المجالات التى من شأنها ان تصب فى مصلحة تنمية القارة السوداء وأيضا فى تبادل الخبرات .
واعتقد أن حرص القيادة السياسية على تنظيم هذا المنتدى لمناقشة سبل تفعيل آليات مكافحة الفساد يعكس ايضاً أن هذا الموضوع أصبح يحتل أولوية متقدمة على مستوى الجهود الوطنية وكذا أجندة أعمال الاتحاد الأفريقي وهو ما ترجمه الرئيس السيسى فى كلمته اثناء افتتاح المنتدى امس بقوله أن هذا الامر بات يحتاج بلا شك إلى تكاتف جهودنا جميعاً بشكل منسق في المجالات السياسية والتشريعية والقضائية والرقابية لمكافحة آفة الفساد التي تنخر في اقتصاديات الدول.
وبينما اتابع فاعليات المنتدى لفت نظرى هذا التنوع فى اختيار الموضوعات التى تتناولها الجلسات المهتلفة وتلك الكوكبة من المتحدثين وهو ما ينبئ بالكثير من النتائج الايجابية فى القريب العاجل والتى بلا شك سوف تنعكس مباشرة على نشر الوعي بمفهوم قضية الفساد وبيان أخطارها وآثارها حيث تُعد أحد المعوقات الرئيسية في طريق التقدم وتحقيق التنمية المستدامة والتطلعات المشروعة لشعوب القارة الأفريقية نحو مستقبل افضل .. خاصة انه قد ثبت وبما لايدع مجالا للشك ومن خلال الدراسات التى اجريت فى هذا الشأن أن الموارد التي تفقدها قارة افريقيا جراء الفساد تعد أحد اهم وابرز الأسباب الرئيسية للتراجع في المقومات الاقتصادية والاجتماعية في الكثير من الدول .
لم تكن كلمة السيد الرئيس فى افتتاح المنتدى مجرد كلمة افتتاحية فى مناسبة عامة وحسب بل كانت بمثابة خطة عمل واضحة تستهدف فى المقام الاول الارتقاء بمستوى معيشة المواطن الافريقى الذى من حقه ان ينعم بالتنمية وبالطبع فان تلك التنمية لن تتحقق طالما ظل سوس الفساد ينخر فى جسد القارة على هذا النحو المفزع.. فقد اشار السيد الرئيس الى ذلك بشكل واضح بقوله "لدينا قناعة راسخة بأن مكافحة الفساد وتغيير واقع قارتنا لن يتحقق إلا بتكاتف الجهود وبلورة الرؤى المشتركة وتعزيز الآليات الأفريقية التنسيقية لمحاصرة الفساد على جميع المحاور".