انتظر الجميع صدور أى حكم قضائى فى قضايا فساد نظام مبارك، للبدء فى اتخاذ إجراءات قانونية، واستعادة الأموال المهربة بالخارج، صدر الحكم فى قضية فساد قصور مبارك بالسجن والغرامة ورد الأموال، غير أن الأموال ما زالت فى الخارج. فى مطلع أغسطس الماضى، خرج المستشار يوسف عثمان، الرئيس السابق لجهاز الكسب غير المشروع، بتصريح جديد عن ثروة مبارك فى الخارج وقدرها بـ«مليار ونصف المليار دولار»، ليعيد إلى الأذهان مرة أخرى الحديث عن استرداد الأموال، وعن جدية الحكومة المصرية فى هذا الملف، بالأرقام والمعلومات، لم تسترد الحكومة المصرية حتى الآن مليما واحدا، فى المقابل أنفقت 64 مليون دولار على الإجراءات الأولية لعملية الاسترداد، مع الأخذ فى الاعتبار أن الدولة شكلت 4 لجان فى 3 سنوات، وتشكلت كل لجنة بظروف زمنية مختلفة ترتبط بالأساس بحامل مفاتيح الحكم فى البلاد، فالمجلس العسكرى شكل اللجنة الأولى، برئاسة المستشار عاصم الجوهرى، والثانية شكلها المستشار يحيى فضل فى عهد جماعة الإخوان، وبعدها بشهرين تقدم حزب الوسط بمشروع قانون لإعادة استرداد الأموال، فتمت إعادة تشكيل اللجنة فى عهد أحمد مكى، وزير العدل، برئاسة المستشار أمين المهدى، وعضوية محمد محسوب، حتى جاء الرئيس السابق عدلى منصور، وانحلت لجنة الإخوان، وتولى حازم الببلاوى رئيس الحكومة وقتها تشكيل لجنة جديدة، إلا أنها لم تخرج للنور، وظلت معلقة أقرب إلى التجميد، واللافت أن كل لجنة كانت تشرع فى الإجراءات من البداية، وترسل موفدين للخارج للتفاوض مع مكاتب محاماه متخصصة فى عمليات الاسترداد، إلا أن المحصلة النهائية «صفر». السؤال: ما العائق أمام استرداد الأموال، وما أسباب فشلنا حتى الآن فى استرداد ولو جنيه واحد فقط؟ الإجابة تكمن فى طبيعة فهم ديناميكية وتعقد عملية استرداد الأموال، وأن الأصل فيها ليس تشكيل اللجان المتعاقبة بقدر ما هو استمرار العمل الخارجى دون تعطيل، والحقيقة أن كل لجنة من اللجان الأربع تشكلت فى ظروف سياسية مختلفة، وهو ما انعكس على عملها بالسلب فى الخارج، وترتب عليه القضاء على أى محاولة لاستجابة الدول الأجنبية بتمكين مصر من استعادة أموالها، الجديد أيضاً أن مصر حتى الآن لم تلتزم بالمعايير الدولية الواجبة لاستعادة الأموال، وأولها الأحكام القضائية النهائية، فلا يوجد حتى الآن أى حكم نهائى ضد أى من رموز مبارك، والأمر الثانى، هو فشل مصر فى إثبات حقيقة خروج الأموال بطرق غير مشروعة.
الوضع الحالى، الحكومة بصدد إصدار تشريعات جديدة عن استرداد الأموال، قد يكون بشارة خير، ولكن الأصل أن ينظم القانون عمل اللجنة فى الخارج، ويضمن استمراريته، بعيدًا عن أى ظرف سياسى للبلد، ويوفق بين القائمين عليه بوزارة العدل، وبين سفرائنا فى الخارج من أجل التكامل، وعدم الوقوع مرة أخرى فى فخ إنفاق الملايين من الأموال دون جدوى، خاصة أن قصة الأموال المهربة أصبحت محبطة لقطاع كبير من الشعب المصرى فور ترديدها، وأنها تحمل مزيدا من الأسى عن فشل حكومات متعاقبة، ولجان متتالية فى استرداد مليم واحد، رغم الزيارات الشهرية بين الوفود المصرية والأجنبية، فضلا عن أن نزيف النفقات لا يزال مستمرا، ما زلنا ننفق على استعادة الأموال، ولم تعد الأموال بعد، بل إن البعض ممن هربوا تلك الأموال بدأوا فى التحصن قانونيا لمنع أية محاولات لعودتها.
الآن انكشفت مئات الآلاف من الوثائق المهمة عن رموز نظام حسنى مبارك المتورطين فى أعمال اقتصادية غير مشروعة، تفتح الباب من جديد للدولة المصرية للتحقيق فيها والبحث وراء تلك الأموال ومحاولة إعادتها للخزانة المصرية.